نضال بركات:
إن من يصافح المجرم فهو مجرم هذا هو حال نتنياهو الذي تدافع بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي لمصافحته وأخذ صور السيلفي معه ليسجل ذلك على صفحتهم في الإيباك بعد أداء فرض الطاعة لهذا المجرم, أما اللافت خلال جلسة الكونغرس فهو التصفيق والتصفير الحاد من النواب الأميركيين لكلمة نتنياهو، والذي وصل إلى عدد قياسي بـ 81 مرة في الكلمة التي جاءت في نحو 52 دقيقة منذ دخوله إلى القاعة, وهذا يعني أن معدل التصفيق، كان مرة كل نحو 40 ثانية بشكل متقطع, ولم يُصفق أعضاء الكونغرس لنتنياهو وحده بل أيضاً للجنود القادمين من ساحة المذبحة المستمرة في غزة الذين أسماهم “أسود يهوذا”، وصفقوا مراراً لإصرار نتنياهو على مواصلة الحرب، ولسخريته وانتقاده لمحكمة العدل الدولية، ولاحتقاره المتظاهرين الأميركيين ومديري جامعاتهم, أما مشهد دخوله من قاعة الكونغرس وصولاً إلى المنصة الرئيسية لإلقاء كلمته فقد كانت أكبر فترة للتصفيق، بلغت نحو 3.13 دقائق، حتى إعلان رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون منحه الكلمة.
وافتتح نتنياهو خطابه بمهاجمة إيران وتحميلها مسؤولية كل ما يجري في المنطقة فيما سُجّل في «الكونغرس» مشهدان متناقضان؛ الأول عندما دخل نتنياهو، حيث وقف عدد من أفراد عائلات الأسرى الإسرائيليين، وكشفوا عن قميص أصفر كُتب عليه «أبرموا الصفقة الآن»، قبل أن تعتقلهم الشرطة وتخرجهم من القاعة، في وقت قاطع فيه نحو 128 عضواً خطاب نتنياهو. أما الثاني، فهو الحفاوة المبالغ فيها من قبل النواب وأعضاء «مجلس الشيوخ» بكلام نتنياهو، الذي اتّسم بالدعائية والتضليل.
فنتنياهو حطم في خطابه الرابع أمام الكونغرس الرقم القياسي لرئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، وبات عنصراً ثابتاً لسنوات في السياسة الأميركية والإسرائيلية، لكن هذا الأمر يبدو أنه بدأ يتغير، وبهذه الكلمات علق موقع فوكس نيوز الأميركي على الخطاب في تقرير لمراسله جوشوا كيتنغ بقوله “لقد بدت الأمور مختلفة، ليس لمجرد أن نتنياهو شخصية مثيرة للجدل، وأنه اجتذب الآلاف من المحتجين المناهضين للحرب على غزة إلى شوارع واشنطن، ولكن الجديد أنه أصبح مهمشًاً بشكل متزايد”.
وأكد الموقع أن خطاب نتنياهو لم يقدم أي إشارة ضئيلة إلى وجود خطة لإنهاء الحرب في غزة، ومن المرجح أن يكون قد قوض الجهود الدبلوماسية الجارية لتحقيق ذلك.
وفي مقابل ذلك غاب ما يقرب من نصف الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ عن خطاب نتنياهو، احتجاجًا على مواصلته حرب الإبادة في غزة ومن بين المقاطعين رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي (ديمقراطية من كاليفورنيا)، وعضو الأغلبية السابق في مجلس النواب جيم كلايبورن (ديمقراطي من ولاية ساوث كارولينا)، والنائب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية من نيويورك).
أما فيما يتعلق بردود الأفعال على خطاب نتنياهو فقد أثار غضباً في صفوف النواب الديمقراطيين الذين أكدوا أنّه “الخطاب الأسوأ لمسؤول أجنبي أمام الكونغرس على الإطلاق, وبحسب ما أورده موقع “أكسيوس” الأميركي، فإنّ عدد الديمقراطيين الذي قاطعوا الخطاب أكبر كثيراً مما كان عليه في خطابه السابق أمام الكونغرس، عام 2015، والذي بلغ حينها 58 ديمقراطياً.
ومن بين الديمقراطيين الذي أعربوا عن امتعاضهم من الخطاب السيناتور بيني ساندر، الذي أكد في منشور في منصة “إكس” أنّ نتنياهو “ليس مجرم حرب فقط، بل كاذب” أيضاً وأن الإسرائيليين “يريدون نتنياهو خارج الحكومة، فجاء إلى الكونغرس ليقوم بحملة (يروّج فيها لنفسه)”. أما رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة، والنائبة، نانسي بيلوسي، فقد شددت على أنّ خطاب نتنياهو هو “أسوأ عرض يقدّمه مسؤول أجنبي أمام الكونغرس على الإطلاق”.
النائبة الديمقراطية “التقدمية”، رشيدة طليب، التي حضرت خطاب نتنياهو، أبدت في الوقت نفسه احتجاجها عليه، حيث رفعت لافتةً تتهم نتنياهو بارتكاب الإبادة الجماعية.
بدورها، أوضحت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وهي نائبة ديمقراطية “تقدمية” أخرى، أنّ نتنياهو “خسر عدداً كبيراً من الناس الذين سيتوجّه إليهم في خطابه، حتى بات يخاطب جزءاً بسيطاً من الكونغرس”.
ونظراً لذلك فقد تم ملء المقاعد بأشخاص هم ليسوا أعضاءً في الكونغرس، كما يتم في مراسم توزيع الجوائز، بهدف إظهار الحصول على حضور ودعم كاملين”.
وفي تصريحات لشبكة “MSNBC” الأميركية، أكد النائب الديمقراطي، جيري نادلر، أنّ نتنياهو “يريد استمرار الحرب لأطول وقت ممكن، ولا يسعى لإعادة الأسرى”، وأنّه “يواصل وضع عراقيل أمام اتفاق الأسرى، ونتنياهو يعلم أنّه سيواجه تحقيقاتٍ قضائيةً فور انتهاء الحرب، ولهذا يريد استمرارها”.
تقرير لفوكس نيوز قال “ربما يكون نتنياهو حصل على ما أراده اليوم: تصفيق حار، حتى لو كان في الغالب من الجمهوريين. لكن أكثر من سبعين بالمئة من الإسرائيليين يقولون الآن إن نتنياهو يجب أن يستقيل”, أما نمرود نوفيك، العضو في “منتدى السياسة الإسرائيلية” وكبير مستشاري السياسة الخارجية لرئيس الوزراء السابق شمعون بيريز فقد قال إذا كانت واشنطن في الماضي بمثابة صمام أمان لنتنياهو، وهو المكان الذي كان يمكنه الاعتماد فيه على الدعم القوي, لكن اليوم اختفى السحر وانتهى عهد الرجل الذي أتقن الحركات البهلوانية اللفظية”..
لقد تغيرت الأوضاع ولم يعد يحظى نتنياهو بالدعم المطلوب لا في الولايات المتحدة ولا حتى من الإسرائيليين الذين يتظاهرون ضده يومياً, وخطابه في الكونغرس عكس ضده حالة من الغضب لدى الجميع إلا أنه يحاول استغلال الوقت خلال الفترة المقبلة من عطلة الكنيست التي تبدأ في السابع والعشرين من الشهر الجاري إلى السابع والعشرين من شهر اكتوبر المقبل وبعدها بأيام انتخابات الرئاسة الأمريكية على أمل وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض لينقذه من مأزقه في حال فرط عقد حكومته لأن مصيره السجن.