الأدب والفن وعلم النفس

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:

الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية كونها تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عمَّا لا يُمكن أن يُعبّر عنه بأسلوب آخر.
بينما علم النفس عبارة عن علم السلوك بمظهريه الحركي والذهني، ومجموع الأنشطة المادية والرمزية القائم بها الكائن الحي، تحت تأثير موقف، أو مجال يضمّه لتحقيق إمكاناته ولخفض توترات تُهدِّد وحدته وتدفعه إلى الحركة والنشاط التكيفي.
لكن..ما العلاقة بينهما؟ التساؤل المطروح تمَّ الاستفسارعنه في لقاء النادي الأدبي الثقافي عنوانه: «الأدب والفن وعلم النفس» أداره الدكتور راتب سكر في ثقافي أبي رمانة.
مرحلة الطفولة خزان
الدكتور غسان السيد رأى بأنَّ علم النفس يعتمد في كلِّ الدراسات على «سيغموند فرويد»، وخاصَّةً العلاقة بين الأدب وعلم النفس، وانشقَّ عنه عدد من العلماء سيبقى منهجاً متبعاً لقرن قادم، وينتج الجزء الأكبر من أعمال الإنسان، وكتاباته تصدرعن اللاوعي، وتبقى كخزان مهجور يحتوي على الرغبات المجموعة من مرحلة الطفولة الأربع الأولى، وتحاول إيجاد منفذاً للتعبير عنها، عندما تكون الرغبات العليا في حالة تسام في الأدب والفن، يمكن أن يكون مختلفاً في أساس الرغبة، ويظهركنوع من الرغبه الكيفية، وتعبِّرعنها، وإذا أردنا تفسير لوحة فنية أو أدباً لا بدَّ من الذهاب إلى المؤلف في مرحلة الطفولة، وكلّ مايظهر في المراحل اللاحقة يعتمد على السنوات الأولى دائماً لدى مراجعة العيادات النفسية والاضطرابات النفسية والسلوكية، لافتاً إلى أنَّ بدء المنهج النفسي في النقد الأدبي العربي طبَّقه طه حسين في رسالته الصغرى في فرنسا «مع أبي العلاء في سجنه» وأتبعه عباس محمود العقاد، واستخدم المنهج على شخصيات شعرية قديمة ينطبق عليها أمثال المتنبي، أبو نواس. ولجبران خليل جبران كتابان مهمّان عن المرأة، وعلاقته الخاصة بها، والكتاب أكثر أهميَّة للدكتورخريستو نجم، إذ رأى بأن النرجسية كانت متجسِّدة في حياة نزار قباني ودرسها جورج طرابيشي في أعماله الكاملة.

الأدباء وفهم النفس
وأشار الدكتور بلال عرابي إلى أنَّ علم النفس يفهم النفس البشرية للإدراك والشعور والذاكرة وعلم الاجتماع وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان. وعلماء التاريخ يقدِّمون تسلسل الحوادث المجتمعية، وأسباب الحروب والثورات والفتوحات، لكن الأدباء يقدِّمون فهماً للنفس البشرية والعلاقات الإنسانيَّة والمجتمع والحروب في حزمة واحدة، أما الروائي فيتجاوز العلماء، ويتفوق عليهم في فهم النفس البشرية والمجتمع. ولايمكن فهم موقف أو شخصية يهودية في أوروبا إلا بدراسة شخصية شايلوك في مسرحيه «تاجر البندقية» لوليام شكسبير، ولايمكن كذلك فهم الثورة الفرنسية، وأسبابها العميقة والمباشرة، والمواقف الاجتماعية إلا بقراءة قصة «المدينتين» لتشارلز دكنز، حيث شرح ظروفها، وحيثياتها وأسبابها الواقعية بطريقة مذهلة، منتقلًا إلى الدول العربية، وبأنَّه لا يمكن فهم واقع المرأة في المجتمع المصري في أربعينات القرن الماضي إلا بقراءة ثلاثية نجيب محفوظ «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» كونها شرحت واقع المرأة، ونسيج العلاقات الأسرية في القاهرة، مستنداً إلى أنَّ علماء الاجتماع يقولون: «إنَّ الأدباء تفوَّقوا على علماء النفس والاجتماع في فهم وتحليل المجتمعات، وتنقلات البشر، وضعفهم»، وتميَّز الأدب الروسي من بوشكين إلى تولستوي ورسول حمزاتوف بالغوص في أعماق النفس البشرية، وتحليل علاقاتها، وتقلباتها،
والألوان والخطوط
من جانبه التشكيلي الدكتور محمد غنوم تناول حديثه عن عالم الألوان في النفس البشرية حيث قسمها إلى الحارَّة والباردة والحياديَّة، وكلها لها تأثيرات سواء أكان من ناحية الفنان أم المتلقي، فالألوان الحارة تشعرنا بالدفء وتدخل في النفس، أمَّا الألوان الهادئة كاللون الأزرق الأكثر انتشاراً يعني السماء والمحيطات وعلاقة السماء الصافية وانعكاسهاً على الماء تعكس الهدوء، ثمَّ تحدَّث عن الألوان الحيادية ومدى تناسبها مع الألوان الأخرى، منوِّهاً إلى أنَّ لعلم النفس عميق الأثر من خلال درجاته، ويُمكن للون أن يُغيِّر مواقفنا، فالصورة ليست ثابته لتناول تجربه الفنان.
الجيوكاندا أم ليوناردو
كما ألقى الناقد سعد القاسم الضوء على حياة التشكيلي فاتح المدرس، وماتركته طفولته من أثر كبير على أعماله فوالده تزوَّج والدته أي من فلاحة كردية فقيرة؛ بينما ينتمي لأسرة اقطاعية، وقتل والده أمام عينيه فكان أمراً قاسياً عليه.. حاولت عمته أن ترعاه وتربِّيه في كنفها؛ لكنّه لم يستطع البقاء عندها، وعاد إلى والدته الفلاحة الأميَّة الفقيرة، واستطاعت أن توفِّر له مصروفاً ضئيلاً كي يشتري ألواناً ودفاتر بقيت راسخة في عمق ذاكرته أكثرمن أيِّ فنان أو شاعر آخر، فأنجز لوحة الأم وأتبعها بأخرى مؤلَّفة من مربعات بشكل فلاحات شمال حلب.
الأرض مستمدَّة من وجه أمه حيث سوَّى الأرض بوجهها، وأنتج بينهما نموذجاً آخر، موضِّحاً أنَّ لوحة جوكاندا الشائع أنَّها تمثِّل امرأة أحبَّها ليوناردو، واستغرق برسمها مدة أربع سنوات، لكن ظلت اللوحة غامضة حتى انكشف سرُّها عندما تمَّ تحليلها، وصدر كتاباً عنها، تقاطع مع تجربة الفنان فاتح المدرس عندما تزوج والد ليوناردو فلاحة ولاعتبارات اجتماعيه انفصل الوالدان، وتزوَّج بأخرى صغيرة السن كانت في علاقة جيدة معهم، واللوحة أول تعبيرعن أمه حيث رسم في الخلفية منظراً طبيعياً؛ بدلاً من اللون الأسود السائد في الحقبة ذاتها، ثم رسم لوحه إنسانية اسمها «عذراء الصخور» تمثِّل وجه أنثى تحمل طفلاً كإشارة إلى أنَّ السيدة العذراء تحمل السيد المسيح، لكن لدى التفسير الفرويدي لم يفكِّر بأبعادها الفنية وإنما استطاع أن يعطي بُعدها الفني بأنَّها زوجة أبيه عندما كانت تحمله، وأمّ الفنان دافنشي الشبيهة بالجوكاندا.
مترابطان كفكي كماشة
ثم بيَّنت الدكتورة ربا ياسين بأنَّ فرويد عندما اختار الأدب ليطبِّق عليه نظريته عرف كيف يستوعب الحالات المطروحة لديه، لأنَّها كانت فكرة جديدة لم يقدِّمها أحد من قبله، وأخذ الأفكار على محمل الجد بالعودة إلى دراسة حالة اللاوعي، واستخلاص أحوال الشخصية والطفولة المبكرة، لكن كان الأدب المفتاح ليصل إلى المتلقي بدأها بعقدة أوديب، ووصف الحالات على أنَّها لا يمكن لمس المعنى إلا إذا فهمنا الإطار العام من الشخصية والغوص في أعماق النفس، وما يدورحولها،فالأدب وعلم النفس كلاهما مترابطان كفكِّي كماشة ترابطاً كاملاً.

                          

العدد 1199 – 30 -7-2024     

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم