الثورة _ حسين صقر:
ما إن تصدر نتائج الثانوية العامة، ووجوه الأهل بين حزينة وكظيمة وأحياناً كثيرة باكية، وبين سعيدة ومبتهجة، والفرق بين تلك الوجوه الاختيار الصحيح للفرع الذي دخله أبناؤهم علمياً كان أم أدبياً، والتقدير الحقيقي لمقدرة هؤلاء الأبناء.
كثير من الأهل تأخذهم الغيرة، ولاسيما من الأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء، ويقومون بزج أولادهم بالفرع العلمي من دون حساب العواقب التي تترتب عن ذلك، في حال الإخفاق والرسوب، ولا يعلمون أن سنوات من العمر سوف تذهب سدى، حتى لو قدر له النجاح لأسباب نعلمها جميعاً، وحتى لو دخل الجامعة فالإخفاق الآخر له بالمرصاد، وذلك نتيجة الدخول بفرع لن يستطيع السير فيه حتى النهاية.
«الثورة» التقت بعض الآباء والأمهات الذين عبر منهم عن فرحه الغامر بالاختيار الصحيح، وبعضهم الآخر يأكل أصابعه ندماً- كما يقال- بأنه زج ابنه أو ابنته بطريق لا يستطيع التقدم فيه، في وقت ترك بعضهم الخيار لأبنائه والذين بدورهم كان اختيارهم صحيحاً، ومنهم من كان خطأً.
أنا المخطئ
«م. س» والد لشاب دخل الفرع العلمي، قال: أنا من أخطأ بحق ولدي وأصررت عليه أن يختار الفرع العلمي، وكانت النتيجة أنه لم يستطع استيعاب المواد العلمية، رغم كل ما أنفقته عليه من دروس خصوصية ومكثفة ومعاهد خاصة صيفية وشتوية، وأوهمني بأنه سوف يكون قادراً على اجتياز الامتحان بنجاح، لكن مع كل أسف حين صدرت النتائج كانت محصلته الرسوب.
ولفت إلى أن من اختار الفرع الأدبي وقبل ذووه بذلك من زملاء ولده، كانوا أقل إمكانية منه، وهاهم اليوم نجحوا بالثانوية الفرع الأدبي، وقد يدخلون الجامعة، ومازال ولده بين خيارات الإعادة والإكمال، وهم حائرون معه بالأمر.
اختيار موفق
بدورها قالت «ك. م» إن اختيارها لابنتها كان في محله، وخاصة أنها كانت تعلم إمكاناتها وقدراتها، وتعلم أيضاً- حسب رؤيتها- أن ابنتها سوف تحقق الهدف المنشود بدخول فرع عال في الجامعة، وأضافت وأنا بدوري بذلت أقصى جهدي كي أوفر لها الجو المناسب للدراسة، ولم أبخل عليها والأخت والصديقة، ولاسيما أن والدها متوفٍ، ولكن الحمد لله أنعم علينا بنجاحها وتفوقها وحصولها على علامة عالية تؤهلها لدخول السنة التحضيرية من دون الحاجة للدورة التكميلية.
يحددون مستقبلهم
من ناحيته «ج. ك» قال: نحن لم نتدخل بقرار ابننا، وتركنا كعائلة الخيار له، وكان في كل مرة يقول: إنه سوف يأتي بنتائج جيدة، وتراه أيضاً يردد أن أبناء عمومته ليسوا أكفأ أو أقدر منه حتى اختاروا الفرع العلمي، وانتهت السنة الدراسية، وكانت الصدمة الكبرى لنا، حيث حصل فقط على علامة النجاح لكن اضطر كي يلتحق بالدورة التكميلية، ونحن اليوم قلقون عليه، ونخشى أن يصدمنا مرة أخرى، ولاسيما أننا عرضنا عليه دون ضغط أن يعيد في العام القادم في البكالوريا الأدبي، لكنه لم يقبل ذلك، ونحن احترمنا رغبته.
لكل فرع خصوصيته
وفي هذا الإطار قال الموجه التربوي كرم شهاب الدين لـ «الثورة»: يصف عامة الناس طلبة الفرع العلمي عادة بالتفوق، في حين أن الكسل ينسب لطلبة الفرع الأدبي، لكن هذه المعلومة غير دقيقة حيث إن بعض الطلبة يتفوق في الفروع الإنسانية بشكل أكبر بكثير مما هو عليه الحال في الفروع التطبيقية، فلا يمكننا اعتماد الرأي الذي يصف الفرع العلمي بالتفوق كرأي نهائي للتمييز بين الطالب المجتهد والكسول حيث لكل فرع خصوصيته.
وأضاف: إن الفرع الأدبي يتناول مجموعة من المواد النظرية التي تعتمد على حفظ المعلومات وسرعة البديهة في تذكر الأفكار وسردها بالشكل الصحيح إضافة إلى التعامل مع المنطق والاستنتاج الفكري، وهذا يحتاج إلى ذاكرة قوية ونقية، في وقت يعتمد فيه طالب العلمي على التحليل والتركيب، ولكن تكمن المشكلة في الأهل والطلاب أنفسهم الذين يختارون فروعهم بناء على الغيرة من دون تقدير الإمكانية، فضلاً عن رغبتهم بدخول فروع يحصلون فيها على بعض الألقاب، متناسين أن تلك الألقاب يهمهم الحصول عليها من أدنى فروع المفاضلة، وذلك من خلال الجد والاجتهاد والحصول على معدلات عالية تؤهلهم للحصول على الدرجات العليا كالماجستير والدكتوراه.
وختم.. حيا الله امرئ عرف حده فوقف عنده، غير أن النجاح لا يتوقف على نوعية الفرع وإنما على المتابعة والممارسة والبحث وأن يشتغل الإنسان على نفسه.