الثورة – ديب علي حسن:
ربما يتساءل الكثيرون ونحن منهم أمام شناعة وهول ما يجري: لماذا هذا الصمت العالمي وتحديداً الغربي أمام حمام الدم سياسة القتل والتدمير الشامل حرب إبادة ومزيد من المال والسلاح للكيان الصهيوني.
ولا أحد يحرك ساكناً.. حق الجميع أن يسأل ويستنكر، ولكن لن يكون الجواب ساراً، فما يجري الآن تم العمل والتخطيط له مع تحويل وتسليع الإنسان وجعله آلة صماء لا معنى لها، بل إنه دمية يقودها أرباب المال.
المجتمع الإنساني أفسده الغرب الصناعي، كما يورد شوقي جلال نقلاً عن اريك فروم عالم النفس المعروف الذي وصف عالم النفس الأميركي مثل هذا المجتمع: (شبح يجوس بيننا خفية لا يراه بوضوح غير قلة نادرة، إنه ليس شبح الشيوعية أو الفاشية القديم بل شبح جديد: مجتمع تحكمه الآلة تماماً نذر كل نفسه وبأقصى طاقته للإنتاج المادي والاستهلاك، وتوجهه وتتحكم فيه آلات حاسبة، وتحول الإنسان ذاته من خلال هذه العملية الاجتماعية إلى جزء من آلة ضخمة يقتات طعامه ولكنه سلبي لا يعيش حياته عاطلاً عن الحس الوجداني، ومع انتصار المجتمع الجديد تندثر الفردية والإرادة الخاصة والمشاعر والأحاسيس الوجدانية تجاه الآخرين تجري هندستها عن طريق الارتباط الشرطي النفسي وباستخدام آلات وأجهزة أخرى، وربما عن طريق العقاقير التي هي سبيل البعض الآن لمعايشة خبرتهم الباطنة.
إن هذا المجتمع يرد الإنسان أو يختزله إلى ملحق للآلة تتحكم فيه بإيقاعاتها ومتطلباتها، وتحوله الآلة إلى إنسان مستهلك كل هدفه المزيد من الاستخدام، ومثل هذا المجتمع ينتج أشياء وسلعاً كثيرة، وكذلك ينتج بشراً كثيرين لا نفع لهم إذ يتحول الإنسان إلى كتلة صماء إلى شيء مجرد شيء ويكف عن كونه إنساناً يقضي حياته في ما لا يعنيه ولا يستحوذ على اهتمامه، ومع بشر قد لا يهمه أحداً منهم وينتج أشياء لا تعنيه، وحين يتوقف عن الإنتاج يغدو مستهلكاً أي يبدأ في الاستهلاك: التبغ والسيجار والطعام والإعلام والدعاية، استهلاكاً قدر الطاقة.
أليس هذا هو المجتمع الذي صوره لنا سكينر وجاء به إلى الإنسانية بشيراً ونذيراً، وطنطنت له أجهزة ودور الإعلام والدعاية الأميركية تزكيه وكأنه إحدى وصايا نبي جديد، إنسان ينتج ويسهلك ولكن لا يبادر ولا يريد معطل الإرادة مسلوب الأمل يتعلم لكي يقرأ مستهلكاً، ولكن لا يتمثل ليضيف ويبدع، يرث فكراً أو ثقافة يحفظ ويستظهر ويستهلك ولا يضيف إلى إرثه خلقاً جديداً وإن أضاف فإضافاته كم بغير معنى جديد أو رؤية مغايرة، تحشوه أجهزة السيطرة الإعلامية وتوجه سلوكه حيث تريد له هي أن يكون).
الإنسان المستلب..
في هذا العالم تتبدى سلبية الإنسان جزءاً من اغترابه لأنه لا يربط نفسه بالعالم من خلال الفعالية ويعيش مجبراً على الخضوع لأوثان المجتمع ولمتطلبات هذه الأوثان التي تفرضها ثقافة اجتماعية مرسومة له ومفروضة عليه من الصفوة، ومن ثم يعيش أعزلاً لا حول له ولا قوة أسير القلق والصمت إلا من ثرثرة لا معنى لها ومثله الأعلى الاتباعية والامتثال.
ونسأل بعد ذلك: أين الحرية الفردية؟
وهي الأمل. وأين حقوق الإنسان؟ وهي ركيزة البناء والنهوض في عصرنا الحديث.. أليس هذا مسخاً للكائنات البشرية؟).
لا حرية ولا كرامة أبداً هي شعارات فقط للاستهلاك وتبرير الموت للآخر.
إنها البربرية التي تقود العالم إلى حتفه مهما طال الزمن.