الشاعر بني المرجة: غزة قصة معاناة وبطولات تجاوزت كل ما عرفته الشعوب من أساطير الإنسان والوطن والحب.. قاسم مشترك بين هموم معظم شعراء العالم
الثورة _ حوار عمار النعمة:
من يعرفه عن قرب يدرك مدى جمال روحه، فهو يحمل قلباً طيباً، رجل ودود لايختلف اثنان على محبته، منذ الصغر حمل راية الإبداع فطورها مع مرور السنين فكان الشاعر والطبيب والضابط والإنسان صاحب المواقف والمبادئ القيمة والسامية، صحيفة الثورة التقت الدكتور نزار بني المرجة فكان الحوار التالي: حدثنا عن البدايات وكيف كانت رحلة الأدب؟
بداية مشواري كانت مع الشعر من خلال قصيدة لفلسطين كتبتها في الصف السادس الابتدائي، ونالت إعجاب أستاذنا في مدرسة (أحمد مريود) في حي مأذنة الشحم بدمشق، المرحوم صلاح الدين البحرة (وهو شقيق الأديب المعروف نصر الدين البحرة)، وكان لتشجيعه الكبير بدعوتي لإلقائها في حفل مدرسي بمناسبة ذكرى قرار تقسيم فلسطين وسلخ لواء الإسكندرون، أثر كبير في نفسي وكانت تلك الحادثة حافزاً لي على مواصلة رحلتي مع الشعر..
كيف وفقت بين كتابة الشعر وبين دراستك في طب الأسنان؟.
في مرحلة الدراسة الثانوية ونتيجة لميولي القوية تجاه الأدب والشعر كنت أنوي اختيار الفرع الأدبي، غير أن والدتي الراحلة زهرة يوسف «رحمها الله» كانت تتمتع بثقافة واسعة، أقنعتني بأن حبي للشعر يجب أن لا يمنعني من أن أصبح مهندساً أو طبيباً كوني متفوقاً في المواد العلمية والأدبية في دراستي ومن الأوائل دائماً في صفي خلال مراحل الدراسة السابقة، وذكرت لي عدة أمثلة منها الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، والشاعر المصري إبراهيم ناجي صاحب أغنية الأطلال لأم كلثوم، وأقنعتني بدخول الفرع العلمي، ومن ثم وجدت نفسي في الجامعة في كلية طب الأسنان التي أحببتها، لأن طب الأسنان يجمع بين العلم والجماليات..
وقد كان في طاقمها التدريسي أساتذة من كلية الفنون الجميلة يدرسوننا مادتي الرسم والنحت، وكنت سعيداً لأنني وجدت بين أساتذتي في الكلية من يعشقون ويمارسون الأدب والفن إلى جانب طب الأسنان، وأذكر منهم الدكتور (ميشيل الخوري والدكتور قتيبة الشهابي والدكتور عبد الغني السروجي) رحمهم الله، والدكتور مختار طنطاوي- أطال الله في عمره، وقد كنت ألقى منهم تشجيعاً كبيراً ساهم في مواصلة رحلتي مع الشعر كل هذا العمر…
مجموعتك الأولى أفراح الحزن القارس الصادرة عام 1982 هل شكّلت لك نقلة نوعية في حياتك لتتالى بعدها العديد من المجموعات؟
أجل لقد كانت مجموعتي الأولى (أفراح الحزن القارس) التي صدرت في العام ١٩٨٢ متأخرة نسبياً قياساً لتجربتي الطويلة السابقة مع النشر في الدوريات اليومية والأدبية، وكنت متهيباً جداً لصدور تلك المجموعة لجهة أقلام النقاد التي قد لا ترحم في بعض الأحيان عند تناولها للإصدارات الأولى للشعراء الشباب.. وهذا ما جعل منها مجموعة مكثفة إذا صح التعبير.. وكنت أسحب بعض القصائد التي أشك بمستواها الفني، خلال عملية الطباعة، وهذا ما كان يحرج المخرج آنذاك وهو الصديق عربي العاصي الذي كان مخرجاً في صحيفتكم (الثورة) آنذاك، وقد لقيت تلك المجموعة الأولى اهتماماً لم أكن أتوقعه أبداً، وكتب عنها وعن صدورها الكثيرون في الصحافة الثقافية والأدبية في سورية ولبنان والأردن ومصر وفلسطين والكويت والجزائر، وكان لانطباعات النقاد الإيجابية عنها كبير الأثر لمتابعة مسيرتي الشعرية، وصدور العديد من المجموعات الشعرية بعدها، مثل:(سيد الماء والتراب) و(شعلة الغيم) و(نام الغزال) عن اتحاد الكتاب العرب.. ومجموعات غيرها مثل (بوح) و(لا تصمت.. لا تقتل الببغاء)، وثمة مجموعات لاتزال مخطوطة..
أنت تكتب للإنسان والوطن والحب، هل هذه رسالة الشعر بالنسبة لك؟
صدقت.. فهذا الثالوث: الإنسان والوطن والحب، هو قاسم مشترك بين هموم معظم شعراء العالم، ويدور حول مواضيعه معظم المنجز الشعري للشعراء عبر الأمكنة والأزمنة، وإلا فما معنى الشعر إذا لم تخاطب أحاسيس وعقل وقلب أخيك، المتلقي الإنسان؟ وما معنى الشعر إذا لم يتضمن عشق الوطن والأرض؟ وما معنى الشعر إذا لم تلهج القصائد بعواطف ومشاعر الحب؟.
لديك العديد من المواهب هل استفدتَ من هواية الرسم والتصوير في شعرك؟
أجل لقد أفدت من عشقي للرسم والتصوير في صياغة جماليات القصيدة وتلوينها، وأنا ممن يؤمنون بتكامل الفنون، ونزار قباني لم يخطئ عندما تحدث عن الرسم بالكلمات، والقصائد في النتيجة هي صور شعرية ومشاهد ولوحات..
في الحرب على غزة ماذا قدمت من كتابات أو أشعار؟
حسب غزة فخراً أنها البقعة والمساحة الأولى التي تحررت عملياً من فلسطين، وحسب أبناءها فخراً أنهم معجونون بأساطير الشهادة منذ ما قبل الولادة وما بعد الولادة وعبر أجيال وأجيال نعيش معجزات صمودها منذ سنوات طويلة… وحتى هذه اللحظات بكل عظمتها وهيبتها، غزة لها دين كبير في أعناق المبدعين العرب.. لأنها قصة معاناة تضحيات وبطولات تجاوزت كل ما عرفته الشعوب من أساطير ..
كتبت قصيدة بعنوان (غزة) قلت فيها:
غزة
لو كان الزلزال لكنتِ إذاً في أحسن حال!
كانت أبواب الإخوة والأعداء ستُفتح!
غزة … w
لو كان الزلزال كانت كلّ أيادي العون!
ستمتدُ وبخيل جداً قد يمنح!
لو كان صغارك صرعى
دون النار ودون دماء !
لتحركت النخوة !
غزة لو كان الزلزال
كانت فاجعتي مثل قضاء أو قدر
كانت فاجعة وتمر،
وقد ننسى بمرور الوقت أحياناً..
كم انت رحيم يا موت!
أحياناً كم أنت لطيف يا موت!
لو كان الزلزال كان الموتُ فضاء أرحب للروح!
صعب قتلك بسكاكين الأخوة
لكأن جريمتهم غسل للعار !!
غزة ..
فيهم كل العار فيا للعار وياللعار !!.