كتابة جديدة تظهر على الساحة مؤخراً، ولا أسميها أدباً، تأتي على شكل سيناريو، وعلى طريقة الأفلام السينمائية، وهي قابلة لأن تتحول إلى أعمال درامية بسهولة. أما إدخال عوالم ميتافيزيقية لها فإنه يلقى استقبالاً وترحيباً من جمهور قراء هذه الكتابات بعد أن اعتادت أجيال على أفلام الرعب، والإثارة، والغموض، والتي مهدت بالتالي لمثل هذه الأعمال من روايات، وقصص.. فعامل الأدرينالين الذي ينهض في الأجسام بتأثيرها يبدو أنه يظهر واضحاً في اقتناص المشاعر.
ولا ألوم هذا فأنا رغم هدوئي تجذبني أفلام الرعب، وهنا أفرّق بين الرعب، والعنف، إذ ليس بالضرورة أن يكون الرعب مبنياً على العنف بل على العكس من ذلك، إذ إن أكثر الأفلام رعباً وإثارة كأفلام (هيتشكوك) مثلاً من القرن الماضي لم يكن أساسها العنف وإنما التشويق الذكي الذي يقود إلى حالة من الخوف تسرع من ضربات القلب، وتجعل المشاهد وكأنه بنفسه يخوض تلك التجربة المرعبة في حالة من التماهي التي تفرض نفسها عليه.
هكذا تفوز فانتازيا الرعب في المحصلة في مزيج من قصص السحر، والغموض، والجن، والعفاريت، وترجع بنا إلى عوالم قصص (ألف ليلة وليلة).. وليصبح بالتالي هذا النوع من الخيال ملاذ الشباب في زمن التكنولوجيا الذي غزته المنصات الإلكترونية تلك التي شجعت بدورها كثيراً منهم على الكتابة، ولو أن مفهومها يبدو مختلفاً عن مفهوم الكتابة الأدبية كما نعرفه إذ إن الأدباء يُعرفون بإبداعهم، وإلهامهم، وهم يقدمون أعمالاً تخاطب مشاعر القارئ، وتثير تفكيره، في حين نجد أن شباب اليوم يميلون أكثر نحو الكتابة لتوثيق تجاربهم الشخصية، أو للتعبير عن آرائهم، وأفكارهم، أو للتواصل مع الآخرين.
أما أسباب ذلك فيعود إلى ما تتيحه المنصات الإلكترونية من فرص سهلة للنشر والتواصل، والتعبير عن الذات بطرق شتى هي أكثر جاذبية وسرعة من الطرق التقليدية، ومن جهة أخرى فإن قلة الاهتمام بقراءة الأعمال الأدبية يؤثر سلباً على ثقافة هؤلاء وذائقتهم، كما المهارات اللغوية لديهم التي تعود على جودة تلك الكتابات.. فهم يميلون إلى الاهتمام بالمحتوى والمعلومات أكثر من التركيز على الجوانب الفنية والأدبية، ويقرؤون كتباً تتناول موضوعات مختلفة في المعرفة العامة بدلاً من الأعمال الأدبية لأنهم يجدون أن الأدب أكثر تعقيدًا وصعوبة في التعبير الشخصي.
وفي كل الأحوال تظل هذه الظاهرة إيجابية وما على رواد الأدب سوى التوجيه نحو الكتابة الإبداعية.. ولو أن الأدب عموماً يظل محكوماً بالذائقة الأدبية فإنه سيظل محتفظاً بقيمة كبيرة له، وبأهمية بالغة في تنمية الفكر، ومن المهم تحقيق التوازن بين الكتابة والأدب لإثراء المشهد الثقافي والفكري.
ونعود لنسأل: لماذا في عصر التكنولوجيا المتقدمة، والتطور العلمي المعرفي الهائل الذي نشهده اليوم تحظى قصص السحر والخيال بشعبية متزايدة وتفوز بقلوب الناس؟ هل هو الهروب من الواقع المعاش نحو عوالم الخيال المملوء بالمغامرات والسحر؟ أم إن قصص السحر والخيال تمكِّن القرَّاء من استكشاف أفكار وعوالم مبتكرة حيث يمكن للقوانين العلمية أن تنحل ويصبح كل شيء فيها ممكناً؟ أم إنه التأثير العاطفي لمثل هذه القصص القادرة على إثارة المشاعر وتحفيز الخيال بالتالي، وترك انطباع دائم في ذهن القارئ؟
على الرغم من أن التكنولوجيا، والتقدم العلمي قد غيَّرا العالم بشكل كبير، إلا أن الإنسان لا يزال بحاجة إلى الأحلام، والخيال، والسحر في حياته.. فهذه القصص تعطي الإلهام والأمل في اكتشاف عوالم أكثر جمالاً وتشويقاً مادام الفكر الإنساني يتجدد ويتطور على الدوام، وتذكرنا بأن الخيال ليس مقيداً بالقيود العلمية، أو التكنولوجية.. إلا أننا نظل بحاجة إلى المبدعين من الأدباء الذين يخلقون لنا تلك العوالم الساحرة التي تظل عالقة في مخيلة القراء، ومحفزة للإبداع.
* * *