ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم:
بدأت الأمم المتحدة بالإفراج التدريجي عن مصادر تمويل الإرهاب غير التقليدية بدءاً من مبيعات النفط مروراً بـالجمعيات «الخيرية» وليس انتهاء بالفدية, وهي التي كانت تندرج غالباً تحت بند المسكوت عنه بالتواطؤ بين المنظمة الدولية وكثير من الدول المتنفذة على المسرح العالمي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.
هذا الإفصاح المتتابع لا يعكس تحولاً في موقف المنظمة الدولية أو انقلاباً في المزاج الغربي والأميركي على وجه التحديد، بقدر ما يأتي ترجمة لمعطيات تطفو على السطح، ونتيجة مباشرة لأسئلة صعبة ومحرجة بدأت الإدارات الغربية تتهرب من تبعاتها تحت شعار كشف المستور.
فالفدية التي تتقاضاها التنظيمات الإرهابية تضاعفت إلى حد باتت فيه إحدى أهم مصادر تمويلها، بل هناك من راح يسارع إلى الدفع تحت عنوان المساهمة السياسية في تخليص الرهائن من قبضة الإرهابيين، في وقت كان فيه الكثير من عمليات الفدية متفقاً عليه من أوله إلى آخره، وليست الفدية التي دفعتها مشيخة قطر للإفراج عن الجنود الأمميين في الأندوف الذين اختطفتهم جبهة النصرة ذراع القاعدة في بلاد الشام بآخر المطاف.
بالطبع، لم تكن تلك العملية الوحيدة لمشيخة قطر، ولن تكون الأخيرة، وهي التي مارست هذا العمل على رؤوس الأشهاد، ولم تخلُ من إشادة وبطاقة شكر من المنظمة الدولية ذاتها أكثر من مرة، فهل هناك من سيحاسب المنظمة على مكافأت الشكر تلك، بعد أن تجرأت أخيراً وتحدثت عن الفدية كمصدر لتمويل الإرهاب، خصوصاً أنها كانت بمثابة تشجيع لمشيخة قطر إلى اعتماده أسلوباً للتمويل غير المباشر للإرهاب أم أن للقضية ذيولاً وحسابات أخرى؟!
يصعب الجزم بذلك أو التعويل على ما ورد على لسان بعض المسؤولين الأمميين، لكنه في الوقت ذاته يفتح ثغرة في حائط مسدود وفي جدار أصم، أقامته الدول الغربية المتواطئة مع تلك المشيخات في تمويل ودعم الإرهاب واحتضانه، ولاسيما في ظل شعور غربي متزايد بأن الخيوط بدأت تتداعى على وقع التباينات والخلافات، وتتجه نحو مواجهة حتمية في سياق المرافعات الاتهامية المتبادلة بعد تزايد مؤشرات الخطر الذي يشكله الإرهاب ورحلة العودة التي تؤشر إلى أن المزاج الغربي المتغير قد يكون نتيجة مبارزة في التلويح بالكشف عن المستور داخل التحالف الغربي وأدواته أكثر مما يعبر عن صحوة مفاجئة تأخرت.
بين المزاج الغربي المتبدل والحرج السياسي الضاغط تتشابك خيوط المشهد لتعكس انزياحاً في المقاربات التي تنتجها شبكة النفاق الغربي، لكنه انزياح لا يكفي ولا يسمح بأن يكون منعطفاً صالحاً للتداول، كما لا ينتج عتبة تصح معها المحاججة بأن الخطوة قد تكون مقدمة لفتح ملفات دعم الإرهاب والدول والدويلات المتورطة في ذلك، حيث اعتاد الغرب بنفاقه الظاهر والمخفي على حبك خيوط المشهد دون أن يعني ذلك تعديلاً في ارتباطاته أو انفكاكاً في توريداته وقنوات دعمه.
على أن ذلك لا يعني بأن المشيخات التي تغوص في قاع دعم الإرهاب لا تدرك أبعاد وأغراض السعار التركي الذي يقابله هوس فرنسي باللعب في الوقت بدل الضائع، خصوصاً بعد أن تباينت أجنداتها وافترقت خرائط الأهداف فيما بينها، والأخطر حين تفترق عن الأميركي الذي سيبقى مراهناً حتى اللحظة الأخيرة على الإرهاب كشريك أساسي في كل ما ينتج في المنطقة، حتى لو ظهرت بعض التباينات في السقف المطلوب منها أو افتراق مؤقت اقتضى التلويح ببعض الأوراق للضغط، على شاكلة ما أظهرته تصريحات بعض المسؤولين الأمميين حول المبالغ التي حصلت عليها داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية من الفدية وحدها، ومن مشيخة قطر على وجه التحديد وما تعكسه من شراكة تركية – فرنسية أكثر وضوحاً.
فالمسكوت عنه سيظل كذلك – ولو زلّ اللسان الأممي بغير ذلك – ما دام خيط الإرهاب دعماً وتمويلاً واحتضاناً تحركه اصابع الاستخبارات الغربية، وما دامت أدوار الدول الوظيفية القائمة على دعم الإرهاب سارية المفعول ولم تنتهِ، وستبقى صلاحية استخدامها إلى أن توقف أميركا ازدواجيتها في التعاطي مع الإرهاب بين مرفوض يجب محاربته، و «معتدل» تستوجب أطماعها وهيمنتها أن تدعمه!!
a.ka667@yahoo.com