الثورة _ رفاه الدروبي:
رأت الشاعرة إيمان الموصللي أنَّ للمكان إيقاعاً في القصيدة وذلك خلال ترأسها الندوة المنظَّمة في ثقافي «أبو رمانة» عنوانها: «دور المكان في الأدب العربي»، بمشاركة الدكتور عبدالله الشاهر والشاعر توفيق أحمد.
الشاعرة الموصللي تابعت أريج كلامها بأنَّ للمكان عطراً نستنشقه في الرواية. في كل مكان على الأرض هناك سرير لنا. هكذا يتكلَّم كلُّ أديب وشاعر فالمكان مَنْ يخلقه الشاعر من فضاءاته المتخيّلة حتى لو كان حقيقةً وواقعاً، ولكنَّه يحمل بصمة الأديب الخاصة كونه يعني: الرائحة، الشهوة، المرض الأول، الشفاء.
ذاكرة المكان
استهلَّ الدكتور عبد الله الشاعر حديثه بأنَّه ترعرع على ضفاف الفرات وأكل من ثماره اليانعة، ومشى تحت ظلاله الوارفة حتى صار المكان وأشجاره يسكنه، إنَّه شهادة وجود، وليست شهادة حضور، المكان مجموع الذكريات. فيه يمكن أن يكون فرحاً أو حزيناً، والحالة المختزنة في اللاوعي جعلت من الإنسان يكره أحداثاً في البقعة الجغرافية ويحبُّ أخرى، ولكن المكان لا يتدخل لكنه يؤنسه حالة الإنسان وليست وجوديته.
إنَّه رائحة خبز التنور العابقة في مخيلته والشهوة الجارحة يكاد يسكننا، ويحمل في أنفسنا لواعج تتمثل في الذكريات، عندما نمرُّ في المكان لا يخطر ببالنا أن نكتب عنه ونيمِّم وجوهنا شطره، والوقوف عليه، إنه يتجول في ذكراة نتصوّرها، لم يدر بخلدنا الوقوف على شكله وأساسات طفولته يستهوينا ذكراه، يؤلمنا غيابه، وكثيراً ما نخلو بأنفسنا كي نحلم به، فالأماكن كثيراً ما تترك أثرها في محطات عبور لدينا كالبيت، الطفولة، المدرسة وتترك شيئاً في وجداننا عندما نزور المكان المؤثر بالنسبة لنا.
إطلالات على الأمكنة
الشاعر توفيق أحمد لا تخلو قصيدة لديه إلا وترتبط بالإطلالات على الأمكنة، محلياً وعربياً، وحتى دولياً، كما لها أهمية بالغة في الرؤية الشعرية.. ووفاءً لعلاقته بالمكان مسقط رأسه والأصدقاء مكان عمله ترك قصائده تحكي من خلال سطورها عن قريته ونبع السن في اللاذقية حمص، معرة النعمان، السلمية، دمشق، بيروت، ولم ينسَ القدس، وبغداد.
وفي قصيده ألقاها في مؤسسة الإبداع للثقافة والفنون والآداب في صنعاء بمناسبة كونها عاصمة الثقافة العربية لعام 2004 أنشد:
لدمشق عطرك في المساء
ولون ذاكرة الوطن
ولها عبير البن تنثره يداك
على زواياها القصية
تتقاسمان معاً شموخ الأبجدية
وتسافران معاً
وعندما كان في الطائرة عائداً إلى دمشق عن طريق صنعاء جدة دمشق أنشد الأبيات بعنوان «عودة المسافر»:
حسبت أنّي نسيت الوقت وارتحلت
عني بعيداً مواعيد وأشياء
وعندما فتحت صدري يداك بدا
أني الشراع الذي يغريه إرساء
دمشق ثانية… مَنْ يا ترى عبثتَ
ياقلب بي وجفاك الورد والماء
المكان ركن مهمّ
الشاعر العراقي فائز الحداد رأى أنَّ الشاعر توفيق أحمد كتب جميع الأجناس الأدبية ويُعتبر أحد أعلام الشعر، ويبدو المكان ركناً مهمَّاً في القصيدة والرواية والقصة القصيرة، لكن في تراثنا العربي الشعري هناك إشارات عميقة تخصُّ المكان، وينطلق منه المبدع ليفجِّر طاقاته الإبداعية ويقول ما لم يقله أسلافه. وهناك إشارات كثيرة لذاكرة المكان في شعر المتنبي وأبو تمام وديك الجن.
الكاتب مجيب السوسي اعتبر المكان أمَّاً حنوناً ورؤوماً للنص فيما يريد الشاعر والكاتب أن يتحدَّث. كلٌّ له مذهب في الأدب فإذا أردنا الكتابة عن غزة والقدس علينا أن نتصوَّر بيننا وبين أنفسنا بأنَّهما مكانان نجلّهما، وعلينا أن نرتبط بهما لأنَّهما يُشكِّلان والدينا الروحيين.
