الثورة – دمشق – ميساء العلي وبيداء الباشا:
ما نراه من أزمات ومشكلات اقتصادية ليست وليدة الحرب الإرهابية على سورية فقط.. بل إن الكثير منها موجود قبلها، هذا ما يجمع عليه الكثيرون من الاقتصاديين وحتى بعض المسؤولين الحكوميين.
“الثورة” حاولت أن تستطلع أهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد السوري في المرحلة الحالية، مع الحلول التي يجب أن تأخذها الجهات الحكومية بعين الاعتبار.
التشغيل والإنتاج
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور أيمن ديوب: إن أهم مشكلتين يعاني منهما الاقتصاد السوري هما التشغيل والإنتاج، يعقبهما مسألة سعر الصرف والسياسة المالية والسياسة النقدية، وبعض القرارات المتعلقة بالمصرف المركزي، ولاسيما موضوع منصة المواد المستوردة والعلاقة مع التجار ومن ثم مسألة التوظيف.
الاحتكار والتقييد
في حين يرى الدكتور علي كنعان أن أهم مشكلة تواجه الاقتصاد السوري هي مشكلة الاحتكار والتقييد والحظر والمنع، وتخصيص بعض التجار لاستيراد سلع معينة أو تصنيع سلع معينة، وهذا الأمر يخلف وراءه جبالاً من المشاكل والصعوبات في الاقتصاد الوطني.
ويتابع قائلاً: “جميع دول العالم انتهى الاحتكار فيها حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانت تسيطر شركة واحدة على إنتاج سلعة واحدة، وما فعلته تلك الشركة، أنها أوجدت لها منافساً وهمياً، وأصبحت تسعر على أساس هذا المنافس وبالتالي لم تقم بدور الاحتكار.”
وبالعودة إلى الدكتور أيمن ديوب الذي قال في حديثه لـ”الثورة”: إن سياسة الانكماش التي اعتمدها الاقتصاد السوري العام الماضي، وقبله وكانت نتائجها سلبية جعلت أصحاب القرار يفكرون مع بداية العام الحالي بالتوجه نحو سياسات الانفتاح الحقيقية، وقد بدأنا إلى حد ما بذلك من خلال حل مشكلة التوظيف عبر إجراء مسابقة مركزية تشرف عليها وزارة التنمية الإدارية، إلا أننا فشلنا فيها، والفشل لم يكن لأن نظام المسابقة كان نظاماً مركزياً، وإنما نتيجة طريقة التطبيق وعدم مراعاة الاحتياجات، وأنماط الأسئلة للمتقدمين مع احتياجات كل مؤسسة.
ارتفاع مستويات الفقر
ديوب يرى أن قضية التشغيل لم نستطع حلها، ولا ننسى أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل بمعدلات البطالة المرتفعة، والتي انعكست بجانب اجتماعي آخر بمشكلة أهم وهي ازدياد وارتفاع مستويات الفقر، وهنا المشكلة ناتج وليست أساساّ، فالبعض يقول إن المشكلة تعود إلى انخفاض الرواتب والأجور لدرجة أن بعض الاقتصاديين يرون أن الدولة مسؤولة عن ضخ الكتل المالية، وهي القادرة على تحريك السوق.
وبحسب ديوب- هذا الكلام غير صحيح، فالرواتب والأجور مرتبطة بالإنتاج وقضية الإنتاج لم نستطيع حلها، وبكل الأحوال، فإن هناك مشكلة أكبر تتعلق بالتضخم الذي يؤثر بشكل كبير على اقتصادنا، متابعاً: إن أسعار الصرف ثابتة وهناك استقرار إلى حد ما مع إنتاج مقبول ورغم ذلك الأسعار ما زالت مرتفعة.
اقتصاد انكماشي وانفتاحي
وأضاف: لدينا نوعان من الاقتصاد الأول انكماشي والثاني انفتاحي، ويبدو أننا خرجنا من الاقتصاد الانكماشي باتجاه الاقتصاد الانفتاحي.
وفي متابعة لمسألة الاحتكار من جانبه يقول الدكتور كنعان: إنه حتى في النظام الرأسمالي الصرف لا يوجد احتكار، والاحتكار الصرف اليوم يدمر كل الاقتصاديات لأن الحكومة تعطي مزايا لأشخاص وتمنع آخرين، فنظام الاحتكار يسيطر على الإنتاج والتسويق والاستهلاك ويوجه أذواق الناس باتجاه سلع معينة، لذلك وجد المفكرون والحكومات في الدول المتقدمة أن الاحتكار قاتل للاقتصاد الوطني، ولا يجوز أن يعيش الاحتكار في أي اقتصاد وطني، والجميع يتوجه إلى نظام المنافسة الاحتكارية أو الحرة التي انتهت منذ فترة طويلة من الزمن، فالمشروعات الصغيرة هي نوع من المنافسة الحرة أما بالنسبة للشركات الكبيرة، فهي تعمل بنظام المنافسة الاحتكارية فهم يتنافسون على جودة السلعة وتخفيض السعر في حين أن الشركات الاحتكارية الموجودة لدينا تتنافس على رداءة السلعة ورفع السعر ليصل إلى رقم مرتفع، وباختصار مشكلتنا هي عدم السماح بالاستيراد للجميع أو بعبارة أخرى الاستيراد غير متاح لمن يرغب به أو يستطيع، لذلك نرى أن هناك سلعاً أسعارها مرتفعة جداً.
تناقضات
وتحدث عن حالة تناقض تتعلق بسياسة الانفتاح الاقتصادي، والقيمون عليها هم نفسهم القيمون على سياسة الانكماش، معرجاً على سياسة الدعم التي وصفها بعدم الثبات، وأننا نسير سياسة “خطوة خطوة”، وهذا التقلب بالقرار الاقتصادي مرة صدمة ومرة خطوة بخطوة، وأي تجربة وخطأ هي مشكلة بحد ذاتها.
ويتابع ديوب: لإدارة الاقتصاد يجب أن تكون الخطة الزمنية محددة ومرنة يرافقها وجود بيانات صحيحة، ويعطي مثالاً على الخطة الزمنية بغض النظر عما تم الحديث عنه عند إنشاء نفق المواساة الذي تم إنجازه خلال فترة زمنية تم تحديدها مسبقاً، بينما احتاج لفترة زمنية أطول.
ومن المشكلات التي يجب حلها بحسب كلامه مسألة التشابكات بين الوزارات، ليس فقط المالية وإنما المشكلات الإدارية، وهذا لابد من طرحه خلال كل اجتماع حكومي، فعلى سبيل المثال تنظيم الحدود الإدارية من قبل وزارة الزراعة بين المحافظات، ستقضي على 70% من القضايا المرفوعة أمام المحاكم.
الجرأة تحتاج كفاءات
ديوب رأى أن الجرأة بالطرح تحتاج إلى كفاءات والأهم من الرواتب هو إصلاح الوظيفة العامة، فيجب ألا نعتمد على الشهادة فقط بالتعيين، فالوظيفة العامة ممر أساسي كما قال السيد الرئيس بشار الأسد، فحتى ننجح وندير الوطن ونعالج الفساد الذي يعتبر سلسلة طويلة، الأمر لا يتعلق بكشف أسماء أشخاص، بقدر ما يجب العمل على القوانين والتشريعات، وعدم الاستعجال بإصدار قانون أو إلغاء قانون.
الدكتور كنعان ومتابعة منه على موضوع الاحتكار قال: إن المصرف المركزي نشر منذ يومين أن سعر طن الأرز 300 دولار، يعني سعر الكيلو 30 سنتاً، أي ما يعادل خمسة آلاف ليرة، وهنا يقول: دعونا نضيف تكاليف الربح والشحن حتى يصل إلى المستهلك، فيجب أن يكون سعره 8 آلاف، بينما اليوم لدينا أسوأ أنواع الأرز في العالم يباع فوق الـ 16 ألف ليرة، هذا كله بفضل الاحتكار، والأمر أيضاً على الزيوت والقمح والدقيق, فسعر طن القمح عالمياً 240 دولاراً، أي أن سعر الكيلو 24 سنتاً أي 4 آلاف ليرة.
تحرير الاستيراد
وعن الحلول التي يراها الدكتور كنعان، يتحدث عن أنها سهلة للغاية، فهي من خلال تحرير الاستيراد والسماح لكل المستوردين بالاستيراد، وتحرير سعر الصرف الذي أصبح فوبيا للمستوردين والمواطنين والتجار والصناعيين، ويمكن أن يكون هذا التحرير تدريجياً مع إلغاء المنصة، فعلى سبيل المثال، العراق قام بإلغاء المنصة الخاصة بالاستيراد، لأنها شكلت نسبة أربعين بالمئة ستضاف كتكاليف على المواطنين، والمنصة اليوم لأشخاص محددين وليست للجميع: ويضيف: إن لدينا تجربة هامة كان المصدر يعيد القطع الأجنبي ويبعيه لمن يريد وليس مجبراً اليوم أن يبيعه للبنك المركزي.
المنافسة وتخفيض الأسعار
وختم كلامه بالقول: إن إلغاء المنصة وتحرير سعر الصرف يعطي أريحية للتاجر ويساعده على الدخول في مجال الاستيراد، وبالتالي المنافسة وتخفيض الأسعار، ويعتقد أنه إذا سمح لجميع التجار بالاستيراد، فخلال اليوم الأول ستهبط الأسعار خمسين بالمئة.
ومن الحلول الأخرى تخفيض الضرائب إلى أكبر قدر ممكن بمعنى تخفيض حجم الضرائب المحصلة حتى يستطيع التاجر أن يعيد تشغيل رأسماله، ومن ثم وبعد خمس سنوات نطلب رفع الضرائب، ونعطي فترات زمنية اختيارية لتطبيق الدفع الالكتروني، ومسألة البيوع العقارية وندعم الصناعة قبل الزراعة.
وبالعودة إلى الدكتور ديوب، الذي رأى أهمية التعامل مع الكفاءات عند إدارة الاقتصاد كما تدار لعبة كرة القدم، فالمدرب الجيد هو من يختار 11 لاعباً ليفوز بهم، وليس المهم من هم اللاعبون المهم أن نحقق الفوز، ونأخذ 3 نقاط ونحصل على البطولة، فسياسة التجربة والخطأ غير مجزية.
ليختم كلامه بالقول: إنه لابد من التحول من الإدارة التنبؤية بإدارة الاقتصاد إلى الإدارة بالسيناريو.