الثورة – دمشق – لينا شلهوب ومريم إبراهيم:
أينما توجهت.. تلاحقك مشاهد لطوابير من البشر منتشرين في كل المناطق وفي كل المواقف، والساحات، وعلى الطرقات، في ظل كابوس أزمة النقل التي باتت حديث الشارع لما أحدثته من ضجة، جراء المعاناة التي يتكبدها المواطنون في هذا الشأن، فحشود الجماهير اللاهثة وراء الحصول على مركبة تقلهم إلى مقاصدهم، باتت ظاهرة تنتشر في كل المناطق وتملأ الشوارع، وكيفما نظرت ترى الأيادي تلّوح على الطرقات علّ أصحابها يحظون بمقعد حتى ولو (وقوفاً)، فيما المركبات العاملة ذات العدد المحدود، تغص وتتكدس بالناس، متحمّلة أكثر من طاقتها الاستيعابية.
– الواقع يتكلم..
“الثورة” جالت بعدة أماكن حيوية، حيث المشاهد تتكرر بشكل يومي، إذ أكد العديد من المنتظرين في مناطق: البرامكة، الفحامة، المجتهد، الصناعة، جرمانا، صحنايا.. وغيرها أن وضع النقل الحالي بات هماً كبيراً يؤرق حالهم، مستنكرين هذه الحالة وما آلت إليه من معاناة وخسائر مادية ومعنوية.
عدد من المواطنين والموظفين والطلاب في مدينة جرمانا مثلاً، أكدوا أن واقع النقل واقع مأساوي، إذ إن الخطوط في المدينة تتنوع ما بين جرمانا- كراج السيدة زينب، وجرمانا- باب توما، وجرمانا- كراجات العباسيين، إلا أن عدد السرافيس الموزعة على هذه الخطوط لا يتناسب مع عدد القاطنين، الأمر الذي يفاقم من الأزمة، ويجعل منها معاناة يومية، لكن حالياً تضاعفت المعاناة بعد التخفيضات على مادة المحروقات وبالتالي عدم حصول الآليات على مخصصاتها، التي اضطرت لإيقاف العمل، ما أسهم بحدوث أزمة حقيقة انعكس سلباً على كل الصعد.
وأوضح كلّ من “أبو ماجد وأبو سامر”، والطلاب: يزن وكمي وزين وجاد وعبير وريم وغيرهم كثيرون في المناطق المذكورة آنفاً، إذ وصفوا المعاناة اليومية التي يتعرضون، كاشفين عن أن مدة انتظارهم للسرافيس تتجاوز الساعة وأحياناً تصل إلى ساعتين دون مبالغة، فضلاً عن أن أفواج الناس تنتشر على جانبي الطرقات على أمل الحصول على مبتغاها سواء بالذهاب مباشرة أم عبر استخدام نفس السرفيس إياباً وذهاباً بغية الوصول إلى أماكن عملهم أو قضاء احتياجاتهم، متحملين أضعاف التكلفة (التسعيرة) المحددة، وهذا ما يزيد الطين بلة.
السيدة آلاء- موظفة، تتحدث قائلة: إن واقع النقل والتنقل بات من سيء لأسوأ، مع انعدام الحلول لمشكلة متأزمة يومية وآنية، وما تسببه من سلبيات واستنزاف للطاقة والصبر والتحمل في مواجهتها، لاسيما مع بدء المدارس والتسجيل للمفاضلة، حيث تعمقت أزمة الازدحام، التي بدورها فاقمت من أزمة النقل، و دون مبالغة أو تسويف، هذا حال كل فرد موظف أو طالب أو أي فرد آخر.
– أعباء إضافية..
كما يشرح أبو محمد معاناته التي تزداد كل يوم مع اضطراره للذهاب لعمله في الزبلطاني، فهو مجبر لأخذ سرفيسين من مكان سكنه في التضامن، رغم وضعه الصحي السيئ، إذ يضطر للسير مسافات طويلة والانتظار الطويل للوصول لمكان عمله بعد عناء لا يوصف وأعباء مادية إضافية أكثر.
وتبين السيدة ميساء أنها اضطرت لأن تستقل سيارة التاكسي كي لا يفوتها موعد اختبار تقدم ابنتها للمفاضلة لعدم تمكنها من أخذ السرفيس، نتيجة الازدحام اللامعقول في منطقة سكنها في الحسينية، الأمر الذي كبّدها مصروفاً مادياً إضافياً، علما أنها خرجت قبل عدة ساعات، إلا أنها لم تتمكن من أن تحظى بسرفيس، في حين اضطر شادي إبراهيم للعودة إلى منزله سيراً على الأقدام بعد انتهاء دوامه ليلاً من منطقة البرامكة إلى التضامن لعدم تمكنه من حجز مقعد في السرفيس، ناهيك عن عدم قدرته المادية لأخذ تكسي.
ويشير حسن أبو علاء، إلى أن الازدحام ومشقة صعوده في باص النقل الداخلي كان سبباً في فقدان موبايله من جيبه، واستطاع الصعود بشق الأنفس، مع كثير من المشكلات والخلافات التي تحدث بين السائقين والركاب، والطمع في حشر أعداد كبيرة في وسيلة النقل تفوق الطاقة الاستيعابية لها بأضعاف مضاعفة.
وحال هؤلاء هو حال كثيرين، فليست الأزمة محصورة ضمن محافظة، أو مناطق وأحياء معينة، وحال المواطن في كيفية التعامل معها بدا لا حول له ولا قوة، مع تصوّر مسبق لما يمكن أن يعانيه من مشقة للوصول لمقصده والعودة سالماً معافى.
نقص في التوريدات
مدير هندسة النقل والمرور بمحافظة ريف دمشق المهندس بسام رضوان، أكد لـ “الثورة” أن أزمة النقل تصاعدت في كل المحافظات، وامتلأت شوارعها بالمنتظرين لوسيلة نقل، في ظل تخفيض مخصصات النقل إلى الحدود الدنيا، إضافة لتخفيض مخصصات باصات النقل العام، كما تم إيقاف تزويد وسائل النقل الجماعي من سرافيس وباصات الشركات الخاصة بالمحروقات، الأمر الذي أدى إلى توقفها عن العمل نتيجة عدم وجود توريدات، ما تسبب بازدحامات كبيرة، نتيجة هذا التخفيض الحاصل بعدد طلبات المحروقات، لافتاً إلى أن ذلك ناجم عن التأخر بوصول توريدات المشتقات النفطية بسبب الظروف العالمية، إلا أن الجهات المعنية في وزارة النفط وشركة محروقات تعمل لإدارة كميات المحروقات المتاحة بما يضمن استمرار عمل القطاعات الإستراتيجية كالأفران والمستشفيات، منوهاً بأنه وردت بعض التأكيدات من قبل الجهات ذات الشأن، على بداية انفراج في تأمين المشتقات النفطية ومازوت التدفئة بداية الشهر القادم، إلا أن الواقع الحالي يأن تحت وطأة معاناة يومية يتعرض لها المواطن جراء ما يحدث من فقدان السرافيس من على خطوط النقل أو انخفاض عددها إلى أقل من 20%.
علاوة على ذلك، لفت المهندس رضوان أنه يتم العمل على وضع بعض الحلول لتفادي المشكلة، إما أن يتم استثناء يوم الجمعة من تفعيل قطاع النقل على مستوى المحافظة، مع توزيع الكمية المخصصة في هذا اليوم على باقي أيام الأسبوع، وذلك بمحاولة لتدوير الأمور بينما تعود التوريدات كما كانت عليه، مضيفاً أنه تم عرض ذلك على لجنة المحروقات لاستصدار قرار بذلك، وهذا يأتي استجابة لمقترح لجنة المحروقات في ريف دمشق، لتلافي مثل هذه الإشكاليات للوصول إلى حلول تسهم بتأمين الخدمة للمواطنين.
– توسيع المسارات لاحتضان المشكلة..
وأضاف رضوان: لدينا خطوط مثل دمشق – دوما عليها حوالي 75 – 80 آلية ودمشق – حرستا – دوما مخصص لها 120 آلية، وهناك عدد موزع بين المناطق في دوما، النشابية، عليها جزء من العدد الكلي للسرافيس، إلا أن منطقة كغوطة دمشق تحتاج إلى ما يفوق ٦٠٠ حتى ٨٠٠ آلية، يوجد منها حالياً من ١٧٠ – ٢٠٠ آلية فقط.
كذلك الأمر في قطنا، يوجد حوالي ٣٥ آلية يخدمون خط دمشق – قطنا، علماً أن المدينة بحاجة إلى ٣٠٠ آلية للتخديم، مشيراً أن لجنة نقل الركاب المشتركة ومنذ حوالي ثلاثة أشهر، وافقت على تخصيص ٢٦ آلية لتخديم القاطنين على حدود جديدة عرطوز عبر جولتين صباحية ومسائية لتخديم الأهالي، بالإضافة إلى باصات النقل الداخلي العاملة على المازوت وعددها اثنان، وانطلاقاً من ذلك يتم العمل على توسيع المسارات لتخديم البلدان الموجودة في ريف دمشق في دوما بالغوطة الشرقية، ناهيك أن هذا الإجراء عبارة عن تدوير عجلات لحين إيجاد حل للمشكلة الأساسية.
وأوضح المهندس رضوان أنه قبل الحرب على سورية كان عدد آليات نقل ركاب ريف دمشق حوالي ١٢ ألف، بينما يوجد حالياً حوالي ٧٨٠٠ آلية على مستوى المحافظة، مشيراً إلى أن ما فاقم من مشكلة النقل حالياً إضافة للنقص الحاصل بقطاع النقل، هو وجود نقص في الوقود نتيجة تأخر التوريدات، إضافة إلى أن قطاع النقل الداخلي كان يملك حوالي ٩٥٠ آلية، اليوم يوجد منها فقط ١٥٠ إلى ١٦٠ آلية، وهذه سوف تخدّم قطاعي المدينة والريف.
وتابع: إنه جراء النقص الهائل بقطاع النقل، لابد من رفده بعدد من الآليات لنقل الركاب، عبر مشاريع حيوية أو باصات نقل داخلي أو أي شيء يمكن أن يعوّض ذلك، ويحقق توفير الأعباء على الدولة والمواطن.
دمشق تزيد طلبات المازوت
مصدر في محافظة دمشق أكد انخفاض عدد الطلبات من 16 طلب مازوت يومياً إلى 12 طلباً، علماً أن الحاجة تتجاوز الـ 20 طلباً يومياً، الأمر الذي انعكس على تخفيض «طلبات النقل» بما يتجاوز الـ 80 ألف ليتراً يومياً، مبيناً أن تخديم قطاع النقل وحده حالياً بحاجة إلى 13 طلباً في ظل انتشار السرافيس والطلب الكبير عليها في العديد من الخطوط، ورغم ذلك تم زيادة طلبين إضافيين من مازوت النقل المخصص لدمشق من شركة سادكوب بما يعادل ٤٤ ألف ليتراً يومياً، فقد أصبح عدد الطلبات التي زوّدت بها دمشق ٣،٥ طلبات، مشدداً أننا بتنا نشهد بعض الانفراجات، وسنشهد تحسناً في واقع عمل وسائل النقل على معظم الخطوط، بعد انخفاض كميات التعبئة المخصصة للباصات العاملة على خطوط المدينة وريفها.
بدورهم بيّن عدد من سائقي السرافيس أن بدء العام الدراسي وعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، أسهمت بمضاعفة أزمة النقل، تزامن ذلك مع وجود انخفاض بمخصصات السرافيس من المازوت، فيما أكدوا أن بعض السائقين اضطروا لرفع التسعيرة كونهم يقومون بتأمين المخصصات بالسعر الحر الذي يصل إلى ١٥ ألف ليرة أحياناً، وذلك من أجل الاستمرار بتخديم الخطوط، ومنهم من تابع عمله وفقاً للكميات المتوفرة لديهم، وعندما تنتهي يوقفون آلياتهم عن العمل، وهذا لعب دوراً كبيراً بحدوث إشكاليات في تنقلات المواطنين.