عمار النعمة
شاعر فلسطيني من مواليد صفد عام ١٩٤١ لجأ مع عائلته إلى دمشق في نكبة عام ١٩٤٨ وهو حاصل على إجازة في الآداب قسم اللغة العربية قي جامعة دمشق.
إنه محمود حامد الذي جعل القضية الفلسطينة قضيته الأساسية فسكنت حياته وشعره فكرّس لها مجمل قصائده.
اليوم محمود حامد في موكب الراحلين وهو الشاعر الذي يغلب عليه البساطة والدماثة والرقي في التعامل مع محيطه، فهو صاحب رسالة إنسانية وجمالية وأدبية راقية وملتزمة على مدى نصف قرن.
عندما حاورته منذ أكثر من عشر سنوات كان اللقاء في منزله البسيط المعتق بروح الشعر، والكتب المنتشرة في كل مكان… تبادلنا الأحاديث عن الأدب والشعر فكان حديثه وهاجسه هو قضيته فلسطين والتزامه بالمقاومة والقضايا الوطنية والإنسانية.. كيف لا وهو الذي كتب للعودة والهوية والقدس واللاجئين والمخيم.
كان الراحل عضواً في جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب، وقد عمل مدرساً بثانويات دمشق، وعضواً بالبعثة التعليمية السورية للجزائر 1967 – 1969، و في المملكة العربية السعودية عشرين سنة متنقلاً من التدريس إلـى مساعد مدير مدارس الدوحة والسعودية ومسؤول إداري في شركات فرنسية ثم عاد إلى دمشق.
اشتغل بالصحافة والإعلام في مؤسسة اليمامة الصحفية 1972 – 1985 وفي الوكالة الفرنسية لتطوير التلفزيون السعودي 1980 – 1985، وفي الشرق الأوسط والمجلة العربية 1985 – 1990.
المتأمل في أشعاره سيجد ثمة ألفاظًا تشكل أنساقًا ثقافية في بنيته الشعرية، تحمل دلالات متنوعة ليس من السهل تجاوزها، ولهذا يعتبر حامد أن الشعر سيبقى أفضل ناطق بلسان الإنسان لأنه موضوع قائم منذ الأزل في الوجدان الإنساني وأن الشعر يبدأ مع الإنسان بالفطرة قدرًا قائمًا كأي مهنة ترتبط بصاحبها هواية ثم احترافاً مع كثرة القراءة والمطالعة لتنمو الفكرة وتكبر ثم تصبح وسواساً هائلاً حسب وصفه من الوجع واللذة مع الأيام.
في مجموعته (عابرون في الدمعة الأخيرة) التي صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب بوزارة الثقافة وتضمنت مواضيع وطنية جاءت عبر الحب والإنسان والنقاء والوفاء عبر في إحدى قصائد الديوان عن ألم ممزوج بأحلام رجل لا يمكن أن يتخلى عن وطنه ولا أن يتراجع عن نضاله فيه فيقول في قصيدة /يا موجعي وطنًا أكاد أضمه/.. «أرأيت كم شف النسيم وهاما .. لما طوى خفق الجناح وناما وضممت فيه ثرى الأحبة مدنفا .. ضم الخلود دماً علا وتسامى يا موجعي وطنًا أكاد أضمه .. حد الجنون وأشتهيه مداما وطن سمى بالقدس حتى خلته .. مد السماوات العلا يترامى».
ويخص الشاعر القدس بأكثر ما لديه ألقاً وشعورًا معتبراً أنه لا يمكن أن يوازيها جمال أو سمو فيحاول أن يكمل حبه خلال البحر الكامل الذي شدى فيه بقصيدة «يا قدس صلي» .. «تيهي يضج بك الخلود فخارا .. والدهر جارك كم يطيب جوارا وعلوت حتى لا سماء علت على .. ملكوت مجدك هيبة ووقارا».
التقى في السبعينيات بأم كلثوم، واتفقا أن تغني له قصيدة أسمعها إياها، ولكن لم تتسع الأيام لها، يقول في القصيدة:
حَلِمَت بكَ الأيام قبل المولد
يا طائر الشوق المسافر في غد
عمري تفتح في لقاك حدائق
والعطر فاح غداة نمت على يدي
وصباه كالنيل اشتياق للهوى
عاش الحياة وليس غيرك يقتدي
عد ياحبيبي إن عمري ليلة
كنتَ الهدى فيها وكنت المهتدي
يقول حامد: توفيت أم كلثوم ولم أعطِ قصيدتي لأحد ولن أعطيها.. وهذا عهد بيني وبينها.
وداعاً محمود حامد .. صاحب الكلمة الناطقة بالحق، شاعر المقاومة، كلماتك دامغة في قلوبنا، سنفتقد نقاء قلبك، لكن ستبقى مشعلاً متوهجًا ينير عتمة أيامنا، أرقد بسلام .. ففلسطين ستبقى كما تعرفها قوية منيعة عصية صامدة في وجه الطغيان .