الثورة – ترجمة ختام أحمد:
على مدى العام الماضي، شاهد العالم في رعب كيف شنت “إسرائيل” واحدة من أكثر الحملات العسكرية وحشية وقتلاً ضد السكان المدنيين في القرن الحادي والعشرين.
لقد انفجرت الحرب التي بدأت كعقاب جماعي في أعقاب السابع من تشرين الأول 2023 بسرعة لتتحول إلى إبادة جماعية شاملة ضد شعب غزة. لقد استخدمت “إسرائيل” نفس الحجة المألوفة حول استخدام “حماس” للمدنيين كـ”دروع بشرية” لتبرير استهداف المراكز السكانية بلا رحمة، وإسقاط القنابل الأمريكية على المنازل والمستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين المكتظة عبر الشريط الضيق من الأرض الذي يسكنه حوالي مليوني فلسطيني.
وباستخدام التجويع كسلاح، منعت “إسرائيل” معظم المساعدات الإنسانية من الدخول إلى غزة، ودفعت نظام الرعاية الصحية في القطاع إلى حافة الانهيار.
وتواجه الأرواح التي نجت من الغارات الجوية الإسرائيلية الجحيم على الأرض، حيث تشرد مرات عديدة بسبب الهجمات في حين تعاني المجاعة والمرض والصدمات النفسية التي لا يمكن تصورها. ومن بين أكثر من 40 ألف قتيل تم احتسابهم في حصيلة القتلى الرسمية، قُتل ما لا يقل عن 11 ألف طفل بقنابل الولايات المتحدة، وما زال هناك ما يقدر بنحو 10 آلاف ضحية مدفونين تحت جبال الأنقاض التي أصبحت الآن مشهداً طبيعياً في غزة.
لقد مهد الكابوس في غزة الطريق للإرهاب الإسرائيلي على جبهتين إضافيتين: الأولى، بدأت بعد وقت قصير من السابع من تشرين الأول مع تصعيد الهجمات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية؛ والآن، مع حملة القصف والغزو البري للبنان لجر حزب الله وإيران إلى صراع إقليمي أوسع.
واليوم، بينما يتم إطلاق دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية على “إسرائيل”، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار لحرب كبرى في المنطقة، يقف زعيم واحد في قلب كل هذه المذبحة: الرئيس جو بايدن.
وفي حين أنه يعمل بالتعاون الوثيق مع نظيره الإسرائيلي، فقد واصل بايدن شراكة استمرت عقوداً من الزمن في التطهير العرقي، والاستعمار، وسرقة الأراضي، والفصل العنصري.
ومن البيت الأبيض، لعب بايدن أدواراً مختلفة لإطالة أمد المعاناة في غزة وتوسيع العدوان الإسرائيلي إلى حرب أكبر في الشرق الأوسط. وتشمل هذه الأدوار دور الحليف المحبط لمجنون مختل عقلياً، ورجل دولة غير أمين في محادثات وقف إطلاق النار، ومورد أسلحة مخلص لنظام من مجرمي الحرب. وعلى الرغم من عناد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وخطابه العدواني، إلا أن بايدن هو الذي كان دائماً يتمتع بالنصيب الأكبر من النفوذ.
إن التذمر الروتيني الذي يبديه بايدن في مواجهة الإبادة الجماعية والتعنت الإسرائيلي لا يمكن أن يبرر أبداً الترسانة التي لا نهاية لها من المساعدات العسكرية الأميركية التي لا تزال تتدفق إلى حضن نتنياهو.
بعد كل هذه القرارات وجولات الإدانة العالمية، تم الكشف عن السلطة العاجزة للقانون الدولي والهيئات الحاكمة العالمية.
إن نتنياهو لا يكبح جماح نفسه، وقد استخدم دماء سكان غزة كعملة سياسية للاحتفاظ بالسلطة. وفي مواجهة الفضائح وتراجع الشعبية، تجاهل الطاغية الإسرائيلي الدعوات لوقف إطلاق النار، وحرك أعمدة المرمى أثناء المفاوضات، وقاوم الدعوات إلى استقالته من أجل الحفاظ على حكومته الصهيونية اليمينية المتطرفة والبقاء في منصبه.
وفي غزة، قُتِل ما يقدر بنحو 180 ألف شخص لأسباب مرتبطة بالحرب، بما في ذلك المجاعة والمرض.
ويحذر بعض الخبراء من أن العدد الإجمالي للقتلى لأسباب مباشرة أو غير مباشرة تتعلق بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها “إسرائيل” قد يتجاوز 335 ألف شخص بحلول نهاية هذا العام.
بالنسبة لنتنياهو، فإن أي قدر من القتلى والنازحين العرب ــ سواء في غزة، أو الضفة الغربية، أو لبنان ــ لا يشكل قدراً كبيراً من الصعوبة لتحقيق هذه الأهداف.
لقد تمكن نتنياهو من التشبث بالسلطة بدعم من الولايات المتحدة ومن خلال الاستجابة للدوافع الأكثر عنفاً وعنصرية في المجتمع الإسرائيلي بعد السابع من تشرين الأول.
ولكن مع مطالبة أعداد متزايدة من الإسرائيليين، بقيادة أفراد عائلات الرهائن، بوقف إطلاق النار واستقالة نتنياهو، لجأ رئيس الوزراء مرة أخرى إلى إثارة تهديدات جديدة.
في الواقع، في أعقاب الهجمات الإسرائيلية الأولية على لبنان باستخدام التخريب الإرهابي للأجهزة المحمولة، والغارات الجوية التي تلت ذلك عبر جنوب لبنان وبيروت، واغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، شهد نتنياهو زيادة في شعبيته وجمهور إسرائيلي من جديد يتجه إلى الرغبة الشديدة في إراقة الدماء بسبب الحرب.
اليوم، وبعد تحميل مدافع “دولة” منبوذة عالميا مرارا وتكرارا، يتحدث البيت الأبيض من جانب واحد ليتظاهر بالانزعاج من شبح الحرب الأوسع التي أرادها نتنياهو دائما.
ومن الجانب الآخر، يقدم دعمه الكامل لكل استفزاز إسرائيلي في لبنان ويكرر بصوت عال تنديدات “إسرائيل” عندما يأتي الرد المتوقع من طهران.
وقد قال بايدن للصحفيين أثناء اعتراض الصواريخ الأخيرة من إيران: “لا تخطئوا، الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل كامل “. ووافقته نائبة الرئيس كامالا هاريس الرأي، قائلة إنها “تدعم بشكل كامل” قرار بايدن بتوجيه الجيش الأمريكي لمساعدة “إسرائيل” في إسقاط الصواريخ.
وقالت هاريس “أدين هذا الهجوم بشكل لا لبس فيه. إن إيران قوة خطيرة ومزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط”، متظاهرة بأن بقية العالم لم يلاحظ تصرفات “إسرائيل” الطويلة الأمد والحديثة والتي أثبتت أنها أكثر زعزعة للاستقرار وخطورة على السكان في جميع أنحاء المنطقة.
في يوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن الرد الإيراني الأخير إن “أفضل إجابة هي الدبلوماسية”. ومع ذلك، انضم بايدن إلى تهديدات نتنياهو بأن “إيران ستدفع الثمن”، ووعد بـ “عواقب وخيمة”.
إذا كان نتنياهو هو الوحش في هذا الكابوس المستمر، فإن بايدن هو العالم المجنون الذي يبقيه على قيد الحياة.
وسوف يصور الخبراء عمل بايدن على أنه معضلة، أو عمل دبلوماسي متوازن دقيق محفوف بالخيارات المستحيلة. ومع ذلك، وبينما تصعد “إسرائيل” الإبادة الجماعية التي استمرت لمدة عام من غزة إلى لبنان، فمن الواضح أنه لم يكن هناك “خط أحمر” للدعم الأمريكي.
إن “إسرائيل” لم تكتف بتدمير غزة، بل إنها تعمل على استدراج المزيد من الأعداء ووضع المزيد والمزيد من المدنيين في مرمى نيرانها. ولا ينبغي أن يكون هناك شك في أن “إسرائيل” رسخت هدفها بوصفها سرطاناً في المنطقة ــ والزعيم الوحيد الذي يملك القدرة على استئصال هذا الورم المنتشر يرفض القيام بذلك.
وبعد أن قرر بايدن الانسحاب من فترة رئاسية ثانية، ربما تكون مسيرة بايدن المهنية محصنة ضد الاحتجاجات التي اندلعت ضد هذا الاختيار، لكن إرثه لا يزال عرضة للخطر كما كان دائما.
في تنظيمنا واحتجاجاتنا، يجب علينا أن نحرص على استهداف مكان بايدن في التاريخ بلا هوادة في كل مكان يتم فيه سرد التاريخ. لأننا لا يمكن أن نسمح بموت مئات الآلاف من الفلسطينيين عبثاً.
لن نتمكن أبداً من التوقف عن مهاجمة آلية الاستعمار والإمبراطورية حتى يتم كسرها إلى الأبد.
المصدر- كاونتر بانش