الثورة- فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن للفن موقفه وكلمته في القضايا الحاسمة والمفصلية، الأمر الذي بدا جلياً انطلاقاً مما امتلكه الفنان على مر الأيام من حس وطني وقومي، فكان له دوره المتقدم الذي يؤديه عند الشدائد.. ومن منا ينسى ما كان يقوم به الفنانون على الجبهات من زيارات للمواقع القتالية كما فعلت فرق المسرح العسكري عندما كانت تعرض أعمالها للجنود هناك، ومن منا ينسى مطربون نشأنا على صوتهم وهم يزورون ساحات الوغى.
هذه المفاهيم التي كرستها انتصارات حرب تشرين التحريرية، باتت ثقافة ترتبط بمفهوم الفعل المقاوم، تعكس حالة من الاستمرارية والدور الذي يتطلع إليه كل من المبدع والفنان والمفكر في الوقوف مع الوطن، ليكونوا جنوداً فاعلين في عصر تحاول فيه العديد من القوى النيل من تاريخنا وكرامتنا وهويتنا.
هو سعي مستمر للتعبير عن المواقف الراسخة والحقيقية التي ترصد نبض الشارع وتتفاعل معه، عبر مختلف الوسائل بما فيها الأغاني الوطنية التي حُفرت في القلب والوجدان، مقدمة معاني خالدة مُتجددة تسمو بالإنسان وتمجد التضحيات التي قُدمت من أجل الوطن متغنية بالانتصارات، لا بل كانت هذه الأغاني في وقت من الأوقات أشبه بالسلاح، هي سلاح الكلمة واللحن، فشحذت الهمم وحملت على عاتقها فعل المقاومة والنضال والصمود، التقطت في الحروب والانتصارات مفردات الواقع لتنسج منها أغاني تترجم اللحظة بحميميتها وعمقها.
منها أغنية «سورية يا حبيبتي» تأليف وتلحين محمد سلمان وغناء نجاح سلام ومحمد سلمان ومحمد جمال، فكانت شاهد عيان ينبض إحساساً وحياة عن حرب تشرين التحريرية وكيف تعاطى معها المبدعون، بدفق من الحب والإبداع والعفوية النابعة من قلب، فقد تم تأليف وتقديم الأغنية خلال الحرب عام 1973، مجسدة معنى الهوية والانتماء.
وأغنية «خبطة قدمكن ع الأرض هدارة» بكل ما حملت من أنفة وعنفوان ارتبطت بحرب تشرين، خاصة أنه تمت إذاعتها فور انطلاق الحرب، ورغم أن الأغنية تعود في أساسها إلى عام 1966 حين قدمتها فيروز والأخوان رحباني ضمن مسرحية «أيام فخر الدين»، إلا أن معانيها حاكت ما حققه الجيش العربي السوري من انتصارات على الجبهة.