الثورة – دمشق – محمود ديبو:
بعد الانتشار الواسع لاستخدام تقانات الاتصالات والمعلومات الحديثة بكثافة وفي مختلف المجالات، وخاصة بعد الثورة الرقمية والتطور الهائل لنظم الاتصال والمعلوماتية، بات من الضروري العمل على إيجاد سبل لمحاكاة هذه التقانات الحديثة والاستفادة منها في مختلف مجالات الحياة.
ويسري هذا القول على التعاملات التجارية الدولية، وباتت تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة في إبرام العقود والصفقات وتحويل الأموال ودفع المستحقات المالية للأطراف فيما بينها لإنجاز الأعمال التجارية، وأصبحت تسمى اليوم التجارة الالكترونية، وبالتالي ولأن مثل هذه الأعمال تحدث فيها منازعات بين الأطراف وكان لابد من حل هذه المنازعات وغالباً ما يتم اللجوء إلى التحكيم كوسيلة أسهل وأسرع وتامة السرية، فكان لابد من الحديث عن التحكيم الالكتروني أو (السيبراني) كما يسميه البعض.
وعن هذا توضح رئيس قسم القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتورة حنان مليكة، بأن التحكيم أولاً هو وسيلة بديلة لحل المنازعات بدلاً من القضاء لما يتمتع به من ميزات، وهو أكثر استخداماً في فض النزاعات التجارية، وبالحديث عن التجارة الالكترونية فقد تم إيجاد التحكيم الالكتروني الذي يتم بوسائل إلكترونية.
عالم حقيقي وليس افتراضي
وبحسب الدكتورة مليكة فإن وصف البعض لهذا التحكيم بأنه تحكيم افتراضي هو وصف غير دقيق لأننا نعيش في عالم حقيقي وليس افتراضي، ولا يمكن لأحد اليوم أن يغفل دور الانترنيت في حياتنا اليومية وفي كل المجالات (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مجال التعليم و….).
وخلال محاضرة قدمتها في ورشة عمل التحكيم التجاري الدولي وإعداد المحكم الدولي التي يقيمها مركز العدل والإحسان بالتعاون مع غرفة تجارة دمشق وجامعة ليدز المهنية في أمريكا، أشارت الدكتورة حنان إلى أن التحكيم مهم جداً في حل المنازعات وأهميته برزت في المنازعات الناجمة عن عقود التجارة الدولية، والحديث عن التجارة الدولية يقودنا للقول بأن هناك تجاراً من جنسيات مختلفة لديهم تعامل تجاري فيما بينهم، ومن الصحيح أن يستخدموا التقانات الحديثة في تعاملاتهم بالنظر لكونهم قد يكون كل منهم في بلد، والتقانات الحديثة توفر الكثير من الوقت والجهد والمال، وهذا ما يتطلبه العمل التجاري بالأساس الذي يعتمد نجاحه على السرعة في إنجاز المعاملات والسرعة في إثباتها من الناحية القانونية.
وبالحديث عن واقع التجارة الالكترونية في سورية تقول الدكتورة مليكة يوجد قوانين ناظمة للتجارة الالكترونية في سورية (قانون المعاملات الالكترونية، قانون التوقيع الرقمي وخدمات تقانة المعلومات، ….)، فسورية تسير في مجال التحول الرقمي في كل القطاعات خطوة بخطوة، وتحتاج إلى مقومات أساسية وبدونها لايمكن عمل شيء، لكن لا يوجد لدينا حتى الآن تجارة الكترونية، خاصة وأن هناك خلطاً في هذا المفهوم لأن ما نراه اليوم من صفحات تسوق وتروج لمنتجات وخدمات وغيرها هذه ليست تجارة الكترونية بالمعنى الحقيقي وإن كانت تستخدم وسيلة الكترونية.
فالتجارة الالكترونية هي التجارة التي تتم عبر متجر قائم على شبكة الانترنيت مسجل ومرخص ومعتمد وهذا ما نشهده في عديد من الدول العربية منها والأجنبية التي قامت بتسجيل متاجر الكترونية ورخصت لها.
منازعات التجارة الالكترونية..
وعليه وبحسب رئيس قسم القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة دمشق: إن فض النزاعات في حالات التجارة الالكترونية عبر التحكيم يحتاج إلى تحكيم الكتروني، وهنا نجد أن أول عامل يجب أن يتوفر في مثل هذه الحالة هو أن يتم التحكيم على موقع الكتروني قائم على شبكة الانترنيت ولا يمكن لأحد استخدامه غير المحكمين وهيئة التحكيم وأطراف النزاع.
اتفاق التحكيم الالكتروني..
وعلى غرار التحكيم العادي تقول مليكة: فإن التحكيم الالكتروني أساسه هو اتفاق التحكيم وهذا الاتفاق هو عقد، ولأن القانون اشترط أن يكون هذا العقد مكتوباً فإن عقد اتفاق التحكيم الالكتروني يجب أن يكون مكتوباً (كتابة الكترونية) وعليه توقيع الكتروني وقد تم اعتماد هذا الشكل بالأونسترال التي قالت إن هذا العقد له حجية وقانونية ضمن شروط معينة يجب أن تتوافر وهي أن يتم توضيح وتبيان دعامة (الحامل) للعقد الالكترونية وأن يكون قابلاً للقراءة ويمكن حفظه واسترجاعه، وقد أقر المشرع السوري بحجية الكتابة الالكترونية على أن تكون مقترنة بتوقيع الكتروني ولها حجية الكتابة الخطية، كذلك يجب أن يكون التوقيع الالكتروني مصدق (أي صدر بشأنه شهادة تصديق الكتروني)، وعليه فإن عقد التحكيم الالكتروني هو من العقود الشكلية أي لا يكفي الرضا بين الطرفين لانعقاده وإنما يحتاج للكتابة، وهو من العقود الملزمة للطرفين.
إجراءات التحكيم الالكتروني..
وتبين الدكتورة في كلية الحقوق إجراءات التحكيم الالكتروني والخطوات الواجب اتباعها ليصح هذا التحكيم، حيث لابد أولاً من إنشاء موقع الكتروني قائم على شبكة الانترنيت بالاعتماد على فنيين مختصين ولهم خبرة بهذا المجال، وأن تتحقق المساواة بين أطراف النزاع في إمكانية استخدام هذا الموقع والدخول إليه والاطلاع على الوثائق المعروضة وتقديم الوثائق والثبوتيات والمرافعات والمذكرات المطلوبة، مع التأكيد على أنه في التحكيم التجاري الالكتروني يقوم الأطراف باختيار القانون الواجب تطبيقه على قضية النزاع، في حين أن اختيار المحكمين في الالكتروني يخضع لنفس الشروط المنصوص عليها في التحكيم العادي والواردة في قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008، ويمكن تبليغ المدعى عليه الكترونياً لعقد اتفاق التحكيم أو بأي وسيلة أخرى على أن يتم اثبات استلام التبليغ مع تحديد هوية منشئ الرسالة.
أما مكان التحكيم الالكتروني فيكون على الموقع الذي تم إنشاؤه لهذا الخصوص، مع الإشارة إلى أنه من الأفضل أن يقام التحكيم الالكتروني عبر مؤسسات (مراكز تحكيم مرخصة ومعتمدة)، أي أن يكون تحكيم مؤسساتي.
حكم التحكيم الالكتروني..
الحكم التحكيمي يجب أن يصدر إما بالأغلبية أو برأي رئيس هيئة التحكيم، وأن يكون مكتوباً ومعللاً، وهنا الحكم التحكيمي مبرم وغير قابل للطعن إلا من خلال دعوى بطلان حكم التحكيم التي يجب أن تقام أمام محكمة الاستئناف، ويكون تنفيذ الحكم رضاءً وطوعاً لأن له صفة الإلزام، لكن إذا لم ينفذ طوعاً فيتم اللجوء إلى محكمة الاستئناف لإكسائه صيغة التنفيذ.