الثورة – تحقيق جاك وهبه:
في ظل ما تشهده مهنة الدباغة وصناعة الجلديات من ركود وتوقف شبه كامل، وجه مهنيو هذا القطاع وصناعيو الجلديات نداء استغاثة، مطالبين الجهات المعنية بضرورة التدخل لإنقاذ هذه الصناعة التي تعاني من عدة تحديات.
انعدام الطلب وتأخر أوامر الصرف
تتمثل أبرز هذه التحديات في انعدام الطلب الداخلي على المنتجات الجلدية، بالإضافة إلى تعثر التصدير الذي كان يشكل مصدراً هاماً لدعم الصناعيين، ورغم أن الشركة العامة للأحذية، التابعة لوزارة الصناعة، كانت تمثل المنفذ الوحيد المتبقي لأصحاب معامل الدباغة والمنتجات الجلدية، إلا أن هذا المنفذ أصبح هو الآخر غير آمن، ويرجع ذلك، بحسب صناعيي الجلديات، إلى تأخر أوامر الصرف التي قد تستغرق شهوراً أو حتى سنوات، ما يجعل المستثمرين في حالة انتظار لأموالهم المعلقة دون أفق زمني واضح.
– قيود التصدير..
رئيس لجنة الدباغة والجلود في غرفة تجارة ريف دمشق محمد بشار الحلاق، أكد في النداء أن العقبة الرئيسية تكمن في منع التصدير حتى يتم تلبية متطلبات الشركة العامة للأحذية من الجلد، وأضاف أن الصناعيين لا يستطيعون تصدير منتجاتهم من دون وجود عقود واضحة، وأوامر صرف مضمونة الأجل، ما يزيد من تعقيد الأمور ويضع مزيداً من الضغوط على هذا القطاع الصناعي.
قطاع حيوي في خطر
وقال الحلاق: “تعتبر صناعة الجلديات والدباغة من الصناعات الحيوية في سورية، إذ تشكل جزءاً هاماً من الاقتصاد الوطني وتوفر فرص عمل للعديد من العمال والصناعيين، إلا أن استمرار الوضع الحالي يهدد بتوقف هذا القطاع بالكامل، ما قد يؤدي إلى خسارة كبيرة في الاقتصاد المحلي وتضرر الأسر التي تعتمد على هذه الصناعة”.
– مطالبات بالتدخل الحكومي..
ووجه الحلاق نداءً إلى الحكومة الجديدة ووزارة الصناعة، مطالباً بضرورة العمل على إيجاد حلول جذرية تنقذ هذه المهنة من التلاشي، ودعا إلى التنسيق بين السياسات الحكومية العامة وسياسات القطاعات المتخصصة لضمان دوران عجلة الإنتاج وانتعاش الاقتصاد السوري.
– تساؤلات “الثورة”..
بناءً عليه، وفي إطار متابعتها لمستجدات قطاع الدباغة وصناعة الجلديات، وجهت صحيفة الثورة عدة تساؤلات إلى وزارة الصناعة بهدف تسليط الضوء على الإجراءات المتخذة لدعم هذا القطاع في ظل التحديات الراهنة، وركزت الأسئلة على خطط الوزارة لتسريع أوامر الصرف المرتبطة بالعقود مع مصانع الدباغة، ودورها في تعزيز الإنتاج وتوسيع فرص التصدير، كما تم التطرق إلى آليات التعاون بين الشركات الحكومية والخاصة لضمان استمرارية الإنتاج، ومدى التنسيق بين الوزارة والجهات الحكومية الأخرى لوضع سياسات مشتركة تعيد الانتعاش إلى هذا القطاع الحيوي، وتساءلت الصحيفة عن الخطط المستقبلية لفتح أسواق تصديرية جديدة، والتسهيلات التي يمكن تقديمها للصناعيين لمواجهة التحديات الاقتصادية وتوفير المواد الأولية.
جهود الصناعة لدعم القطاع
وفي هذا السياق بيَّن مدير عام الشركة العامة لصناعة الأحذية شريف أحمد الحسن، أن وزارة الصناعة تسعى جاهدة لدعم قطاع الدباغة والجلديات رغم التحديات الجسيمة التي واجهتها هذه الصناعة بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد، مشيراً إلى أن هذه الصناعة قد تأثرت بشكل مباشر نتيجة خروج أربعة معامل رئيسية تابعة للشركة العامة للدباغة عن الخدمة، وذلك جراء الأعمال الإرهابية التي عمت مناطق عدة في سورية، ورغم ذلك، استمر المعمل رقم 4 في العمل جزئياً، وتم تفعيل ورشة إنتاج الستر الجلدية فيه بعد تزويدها مؤخراً ببعض الآلات الحديثة.
وأوضح الحسن أن معمل أحذية درعا تعرض للتدمير الكامل، بينما تمت سرقة محتويات معمل أحذية النبك، ورغم ذلك، تمكنت الشركة من استئجار صالة في معمل اليرموك للمعكرونة بدرعا، وتم تجهيزها ببعض آلات الخياطة والقص لتساهم في إنتاج فرعات الحذاء العسكري، بالإضافة إلى ذلك، تم تجهيز معمل النبك بنفس الآلات لإنتاج نفس القطع، مما يساهم في تزويد المعامل الرئيسية في السويداء ومصياف بهذه الفرعات، لضمان استمرار عملية الإنتاج بكفاءة.
– حيوية القطاع الجلدي..
الحسن أكد أيضاً أن الطلب الداخلي على المنتجات الجلدية لم يتوقف، حيث يتجلى ذلك في استمرار استجرار مادة الجلد بجميع أنواعها، سواء للقطاع الخاص أو العام، لافتاً إلى أن ما تشهده الأسواق السورية من تنوع كبير في الموديلات الجلدية وحركة نشطة للبضائع بين المحافظات، فضلاً عن استمرار التصدير للأسواق الخارجية، يعد دليلاً على حيوية هذا القطاع ومرونته في مواجهة التحديات.
– تصدير الجلود..
وفيما يتعلق بالتصدير، أشار الحسن إلى أنه لا يوجد أي مانع يمنع تصدير الجلود السورية، حيث أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية القرار رقم /106/ تاريخ 12 / 6 / 2024 الذي يقضي بتمديد العمل بالقرار رقم /6/ تاريخ 3 / 1 / 2024 بالسماح بتصدير جلود الأبقار من المراحل (بيكل -وايت بلو – فيجيتال – كراست – منتهي) لمدة عام واحد، وقد تم تشكيل لجنة تضم جهات متعددة لدراسة طلبات التصدير، حيث عقدت عدة اجتماعات لمنح التراخيص اللازمة لبعض المصدرين، وتسير الأمور في هذا الشأن بشكل طبيعي دون أي إشكاليات.
– تحديات السيولة..
من ناحية أخرى، أوضح مدير الشركة العامة لصناعة الأحذية أن التأخير في صرف أوامر الشراء يعود لتأخر التحويلات المالية من الزبائن في القطاع العام، نتيجة الإجراءات اللازمة للاختبار والمعايرة، وهذا التأخير يؤثر بدوره على الموردين الذين يتعاملون مع الشركة لتوريد المواد الأساسية الداخلة في صناعة الأحذية، وأكد أن الشركة تعمل على حل هذه المشكلة من خلال إيجاد آليات لدعم السيولة المالية، لضمان تأمين مستلزمات العملية الإنتاجية وعدم التأخر في صرف مستحقات الموردين.
– الجلود غير المتاحة للتصدير والتطوير الصناعي..
وفيما يتعلق بأنواع الجلود، أشار الحسن إلى أن بعض الأنواع مثل الجلد المطبع والسادة تعتبر من التوريدات الأساسية للشركة العامة لصناعة الأحذية، وهذه الأنواع لا تشهد طلباً كبيراً للتصدير، بينما تتاح باقي الأنواع مثل (بيكل- وايت بلو- فيجيتال- كراست- وحتى المنتهي) للتصدير، وفقاً للقرارات الصادرة عن وزارة الاقتصاد.
– خطط تطوير الإنتاج..
وبين أن الشركة العامة لصناعة الأحذية تسعى إلى تطوير خطوط الإنتاج الحالية والاستفادة من مشاريع الطاقة المتجددة، لتوليد الطاقة الكهربائية من الأصول الثابتة الموجودة، وتهدف الشركة إلى دعم مركز الطاقة بالاعتماد على مبدأ التشاركية، مما يساهم في تحسين أداء القطاع وإعادة الحياة إلى العديد من الدباغات المتوقفة، سواء العامة أو الخاصة، وخاصة تلك الموجودة في مدينة عدرا الصناعية.
– قطاع الجلديات والاقتصاد الوطني..
الحسن أكد أن قطاع الجلديات يُعتبر من القطاعات الاقتصادية المهمة في سورية، ويشارك بنسب متفاوتة في عدد من الأقطار العربية، ويشمل هذا القطاع منتجات متعددة مثل الملابس الجلدية، الأحذية، الحقائب، والمفروشات الجلدية، ومن أجل تعزيز هذا القطاع، تعمل الشركة على إعداد دراسات جدوى اقتصادية والمشاركة في المعارض المحلية والدولية، وكان آخر مشاركة للشركات السورية في معرض “إكسبو سورية 2024” والتي لاقت استحساناً كبيراً، إضافة إلى وجود الشركة العامة لصناعة الأحذية كعضو في مجلس إدارة الاتحاد العربي للصناعات الجلدية مما يتيح الاستفادة من الخبرات العربية وتبادل المعلومات حول هذا الأمر وقد تم تسليم نماذج أحذية وستر جلدية، لاقت استحساناً كبيراً إلى عدد من الدول العربية ويتم العمل على التواصل المستمر معهم ومتابعة ذلك.
– التنسيق بين الجهات المعنية..
ولفت إلى أهمية التنسيق الفعّال بين مختلف الجهات المعنية، لضمان إعادة انتعاش قطاع الدباغة والجلديات، وشدد على ضرورة توفير البنية التحتية واللوجستية الملائمة، إلى جانب الموارد المالية، لضمان استمرار تشغيل العمالة واستغلال الجلود الخام المتاحة، رغم ندرتها في السنوات الأخيرة نتيجة للظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، وأوضح أن هذه التحديات أدت إلى تراجع تربية المواشي بشكل كبير، ما انعكس على انخفاض استهلاك الذبائح السنوي في سورية، حيث تراجع من 4-5 ملايين ذبيحة قبل الأزمة إلى حوالى 400-500 ألف ذبيحة سنوياً، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الراهنة.
– مفترق طرق..
في ختام هذه الرحلة مع قطاع الجلديات في سورية، نجد أنفسنا أمام واقع صعب يضع هذا القطاع الحيوي في مفترق طرق، فالتحديات الجسيمة التي تواجهه لا تهدد مستقبله فحسب، بل تنذر بخسارة جزء مهم من الإرث الثقافي والفني الذي ميز هذا الشعب على مر العصور، ونداءات الاستغاثة التي أطلقها المهنيون في هذا المجال تعكس حاجة ملحة لتدخل حكومي فاعل واستراتيجيات مدروسة من وزارة الصناعة، وهي دعوة تتطلب استجابة سريعة وعملية.
ولا يمكننا تجاهل الركود الاقتصادي وضعف الطلب الداخلي، بالإضافة إلى تأخر صرف أوامر الشراء، ويجسد هذا الوضع واقعاً يستدعي اتخاذ خطوات جريئة لإعادة بناء الثقة في هذا القطاع، وأن التنسيق الفعّال بين الجهات المعنية وتوفير الدعم الكافي للعاملين في مجال الدباغة سيكونان ركيزتين أساسيتين لإنعاش الاقتصاد الوطني وضمان استمرارية هذه الصناعة التاريخية.. إن الأمل يظل قائماً في عودة قطاع الجلديات إلى دوره الريادي في توفير فرص العمل وتعزيز الاقتصاد، مما يضمن بقاء هذا التراث الثمين وعدم اندثاره.