يبدو أن القرار قد اتخذ مجدداً بتصدير زيت الزيتون، رغم كل السلبيات التي يفرزها هذا الأمر على المستهلك أولاً وعلى المنتج ثانياً، ومن الطبيعي أن تكون العقابيل شديدة الإيجابية على مصدّر المادة كونه صاحب القرار في مادة ضرورية لحياة الفرد ولا تتوفر في كل سنتين إلا مرة واحدة.
المسألة هنا أن القرار لا بد وأن يخلق احتكاراً يسمى اقتصادياً احتكار القلة، أي أن قلة قليلة من الناس لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، تعمد إلى السيطرة على مادة معينة وتقوم بالتحكم بسوقها سواء كان هذا التحكم داخلياً في مبيعه للمستهلك الوطني، أم خارجياً في تصديره للأسواق الخارجية، على اعتبار أن الكمية الأكبر من المادة متوفرة لديها، وهو أمر قد شاهدناه وعايشناه سابقاً عندما كانت وزارة الزراعة ومديرياتها تسمح وتوصي بتصدير زيت الزيتون.
السماح بالتصدير يعني تكرار السيناريو السابق بقيام بعض الأشخاص عبر وكلائهم بجولات في الساحل عارضين سعراً أعلى بقليل من المعتاد، فتكون النتيجة أن الفلاح الذي يشقى لعامين متتاليين حتى يحل الموسم، ويرغب بتغطية نفقاته على الأقل، هذا الفلاح من الطبيعي أن يبيعهم إنتاجه في ظل غياب الجهة المركزية المستجرة لهذه المادة، والتي لم تصنف (أي المادة) حتى اليوم كمحصول استراتيجي، فتكون النتيجة والحال كذلك تحكم بضعة أشخاص بموسم زيت الزيتون ويصدرونه على هواهم.
المتبقي في السوق كميات قليلة منه، وتطرح في الأسواق من قبل هؤلاء المحتكرين بأسعار عالية جداً تراوحت العام الماضي بين مليون ونصف إلى مليوني ليرة سورية، أما البقية فهي رحلة العذاب والألم للمستهلك حتى يحاول وليس يحصل بل يحاول الحصول على بعض زيت الزيتون.
هذا الواقع المؤلم يُبنى بعد اجتهادات من وزارة الزراعة ومكتب الزيتون فيها بحيث يبدو الأمر وكأنه مسألة طبيعية بسيطة، في حين أنه تحكّم بقطاع بأكمله وجمهور مستهلك بأكمله، دون تقديم البدائل أو الطروحات المنطقية أو الضوابط التي تضمن حقاً ولو هامشياً للمواطن في استهلاك مادة من إنتاجه المحلي.
التالي