الثورة – عبير علي:
احتضنت صالة المركز الثقافي بالميدان، المعرض الفردي الخامس للفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم، متضمناً 55 لوحة جديدة (بقياسات جدارية وكبيرة ومتوسطة، أكريليك وزيتي على كانفاس)، إضافة لمجموعة من المكعبات التي تشغل جوانبها حركات لونية تجريدية (١٥ مكعباً)، تعرض لأول مرة، ويمكن تقسيمها حسب مواضيعها، إلى خمس مجموعات:
المجموعة الأولى استعاد من خلالها الفنان مخزوم تأملاته القديمة لمدى وأفق البحر، وقواربه المترسخة في ذاكرته البصرية الطفولية، على شاطئ البحر في مدينته طرطوس، مدينة الأحلام والتخيلات.
المجموعة الثانية- حملت عنوان “فتيات على خلفيات لونية تجريدية انفعالية” وهي تشكل امتداداً لأعماله السابقة، مع اتجاه تدريجي نحو الاختصار والاختزال والتبسيط وموضوعه المفضل كان ولا يزال: امرأة أو أي موضوع آخر بصياغة مختزلة ومبسطة، على خلفية لونية تجريدية.
المجموعة الثالثة- تجسد موضوع “الأسماك” وهذا الموضوع يطرحه لأول مرة في ثلاث لوحات كبيرة، وعبر صياغة مبسطة، لا تتوقف عند تفاصيل الأشكال وإنما تتجاوزها نحو صياغة تحمل ثقافة فنون العصر، من خلال التركيز على الصياغة المبسطة والمتداخلة مع الحركات اللونية السريعة والعفوية.
المجموعة الرابعة- تتضمن حركات لونية تجريدية، ونجدها في لوحة كبيرة بقياس جداري، كما نجدها على “جوانب المكعبات الفراغية” ومن خلالها تظهر ألوانه المشرقة، والنابضة بالحيوية والحركة والانفعال والحياة.
المجموعة الخامسة- تتنوع فيها المواضيع: أشكال معمارية، طيور، زهور، فراشات، عناصر نباتية- نبات الصبار، آلات موسيقية، عازفة بيانو، مظلات بحرية، إضافة لتجسيد لوحة عن جرائم حرق محاصيل القمح، ولوحة عن زلزال سورية، وأخرى عن انفجار مرفأ بيروت .
وفي حديث لصحيفة الثورة حول معرضه.. لفت الفنان مخزوم إلى أن جميع أعماله تتفاوت بين التصريح والتلميح، أو بين الواقعية والاختزال التعبيري، وصولاٌ إلى شغل كامل خلفية اللوحة، بالحركات اللونية العفوية السريعة والانفعالية، ومروراً بالتجريد الخالص، وخاصة على جوانب المكعبات، ومن هنا جاء العنوان (تشخيص وتجريد جداري وفراغي)..
هكذا يتجه مخزوم، في لوحاته الأحدث لإيجاد بعض الفروقات في تركيب السطوح اللونية والأجواء الكثيفة والشفافة للوصول إلى المزيد من الاختزال والاختصار، في صياغة المشاهد والعناصر وخاصة النسائية، إلى الحد الذي يجعل أكثرية لوحاته تنفتح على التجريد اللوني العفوي، القادمة من تقنية وضع اللون على سطح اللوحة أو سطوح المكعبات الفراغية، ومن هنا تأتي الحساسية البصرية والروحية.
ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، بين أنه اعتمد على مبدأ الرسم التلقائي والعفوي، من خلال الانحياز نحو الاختصار والتبسيط والاختزال، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية، فهو أحياناً يميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض ملامح أو إشارات الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى يزاوج بين مؤشرات اللونية العفوية، وبين مؤشرات التجريد اللوني الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين حضور ملامح الأشكال وبين غيابها المطلق أحياناً في بعض أقسام اللوحة.
وهكذا نستطيع- على حد قوله- الحديث عن اختراق المظهر السطحي للعناصر المرسومة، في خطوات البحث عن التركيب الداخلي، من خلال النظر إليها بالعين المعاصرة، ويمكن القول أن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل، أو نتيجة اختباراته المتتابعة التي أظهرت مرونة رموزه التعبيرية التلقائية التي يحكي من خلالها حكايته مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية في التنفيذ والتلوين وشحن عناصر التشكيل بعاطفة نامية وشغف تلقائي، يتعامل مع أشكال الواقع بمزيد من العفوية والفرح والصدق.
إذ الأهم بالنسبة له، وضوح الإيقاعات اللونية المتراقصة الحاملة خلاصة بحوثه وتشكيلاته المسكونة بدرجات أعلى من الانفعال، والمشغولة بكتل لونية تتجه إلى الكثافة مرة أو الشفافية مرة أخرى. هذا الانعطاف أو التحول الجدي في تجربته، لا يرتكز على معطيات المكتسبات الأكاديمية والذهنية، بقدر ما يرتكز على خبرات تقنية عفوية،ومتابعات مكثفة، ومغامرة جادة، جعلت اللون أكثر تركيباً وتداخلاً، من دون أن تكون هناك صيغة عبثية أو مجانية، إذ لا تستقر لمستها من الضربة الأولى، طالما تحركها دائماً بلغة انفعالية وحركية شديدة التكثيف.
ويتابع مخزوم قائلاً: التجريد المتعدد الإيقاعات والمقروء على جوانب المكعبات الفراغية، لا يتقيد بالمناخ الفني المتوارث حسب القواعد والأصول والضوابط المنسجمة والنسب الرياضية الباردة، وإنما يبتعد عن كل ما يمكن أن يقيد الرؤية الفنية الذاتية، ولوحاتي الأحدث تشكل خطوة تصاعدية باتجاه الحركة والإيقاع الموسيقي البصري، الذي يذهب إلى أقصى احتمالات الإيجاز والاختصار في تكاويني الشكلية واللونية.