حشد التاريخ لاستنهاض الواقع

الملحق الثقافي- كمال الحصان:
إن مهمة حشد التاريخ، بمعنى استدعاء المحطات والأحداث الهامة والحاسمة فيه، وإسقاطها على الواقع لمعالجته، بشفافية وصدق المؤمن وإدراكه، وباستشراف الحريص على أمته تاريخاً وحاضراً، والذي يقع مسباره على عوامل القوة لتصحيح الخلل وتجنب الزلل، وللتصدي لما تناوش واقع الأمة من أعراض الوهن والضعف، التي استشرت هذه الأيام، حتى صارت معتدة» على العلاج والدواء، إنما تكون «بتطعيم» الحاضر، ببعض من عوامل المجد والقوة التي سجلها تاريخ الأمة على مدى قرون طويلة، هذه العوامل التي غطتها في أحيان كثيرة، سحب كثيفة من الجهل والزيف والمكابرة.
إن أخطر نتائج الهجمة الاستعمارية التي تجددت باجتياح الوطن العربي في مطلع القرن الماضي، وحتى ما قبله في بلاد المغرب العربي، هو العمل على خلق وتكريس ثقافة التجزئة» والفرقة، والعداء بين أبناء الأمة الواحدة … وبالتالي، وهن وانحلال الملحمة الشعبية العربية وتفككها!..
تلك التي كانت عبر التاريخ الماضية والمحافظة التي تنطلق منها «وامعتصماه»… إذا أزفت الساعة وادلهم الخطب.
إن التآمر الشرس، الذي يمارسه الغرب هذه الأيام ضد أمتنا، انما يقوم به من أجل أن يضمن الغرب الاستعماري، ومعه فيما بعد الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية بقاء الأمة العربية خصوصاً، والمنطقة عموماً تحت السيطرة الاستعمارية المباشرة أو غير المباشرة، وبكل الوسائل وبسلاح نظريته المعروفة فرق تسد مكرسًا بذلك معتقده القديم، بأن الشرق الروحي هو النقيض الطبيعي للغرب المادي، وقد أعلن مفكروه ذلك صراحة، وعملوا على تطبيقه واقعياً بوضوح، وخاصة بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية أواخر القرن الماضي.
إن من أهم متطلبات تحقيق مقولة حشد التاريخ هذه هو وجود قائد قادر على فتح قناة التواصل اللازمة بين التاريخ والواقع الحاضر وإدراك نقاط التلاقي والاتفاق والتكامل بين أفكار صانعي مجد الأمس وعناصر بناء مجد اليوم، وذلك بإبقاء الأمة في حالة مقاومة وممانعة مادية ومعنوية، واستعداد، بحيث لا تفقد الأمة زخمها وإرادتها ورؤيتها للمستقبل الواعد، بانتظار اللحظة التاريخية المناسبة، التي تتكامل فيها عوامل النصر، وبغير ذلك تبقى الأمة ومصيرها، رهناً بما تفرضه لحظات انفلات الأمور من عقالها.
وغني عن البيان أن حشد التاريخ، بانتصاراته وملاحمه، وبالفهم الصحيح لواقع الأمة وخصوصيتها وعوامل قوتها، هو فكر محكوم بحتمية الاعتراف بأهمية عمق الجوار التاريخي وتفاعله.
الوطنيون الفلسطينيون، وفي كل أدوار القضية كانوا يدركون أن تحرير فلسطين، وكما قال تاريخ صلاح الدين ودمشق، لا يمكن أن يكون بالقدرات الفلسطينية وحدها مهما عظمت هذه القدرات، وأن الإسناد والمشاركة العربية والإسلامية، ليست عاملاً مساعداً فحسب، بل هي شريك أساسي وقدري، ومعني مباشرة بالمعركة وانتصارها ونتائجها وبغير هذا الإدراك، نكون قد قرأنا التاريخ مقلوباً، واخترنا درب الهزيمة والخذلان، وفرطنا بمقومات النصر الأكيد.
إن ما يجري الآن في المنطقة من توزع جديد للقوى العربية والإقليمية والعالمية، هو تحول جذري سيؤدي حتماً إلى تغييرات هامة في مجرى وطبيعة الصراع العربي الصهيوني، ولا بد من فهم وإدراك هذا التحول الخطير بكل أبعاده ومراميه، وبملامحه الإيجابية ومنها :
. بداية سقوط مشروع الصهيوني بيريز، ومحاولات إنشاء الشرق الأوسط الجديد، لصالح ظهور – وبقوة – الشرق الأوسط المقاوم.
– تماسك وانتصار جبهة المقاومة وثبوت صحة نظرتها للصراع وكيفية، وأسلوب مقاومته ومواجهته، هذه الجبهة التي تمزج وتوائم ببراعة وحكمة، بين مقاومة الأمة، ومقاومة الدولة، بعبقرية سياسية يُشهد لها.
– بدء تحسس العالم الإسلامي، بأهمية مشاركته في معركة تحرير القدس وفلسطين، بعد أن أصبح واضحاً للعالم أجمع، أن القضية الفلسطينية، هي قضية عربية إسلامية، وتؤثر في السلام العالمي كله، وليست قضية قطرية تخص الفلسطينيين وحدهم.
– فشل المفاوضات مع العدو الصهيوني نهائيًا، وإغلاق هذا الباب، الذي كاد أن يتسبب في ضياع القضية برمتها.
– كما أصبح واضحاً أيضاً، أن الولايات المتحدة الأميركية هي «ولاية إسرائيلية»…؟! ولا يعجبن أحد، فقد ثبت أن العكس ليس صحيحاً …؟!
– من هنا تأتي عبقرية الحبكة السورية الذكية والصلبة، السياسية والعسكرية، والتي استلهمت التاريخ، فحشدته، واستفادت من الجغرافيا. وآمنت بها، ولم تشغل نفسها من قريب أو بعيد، بما هو ثانوي وهامشي ويمكن أن يصرفها عن العدو الرئيسي، واحتلاله لفلسطين، كما نجحت بتحييد شوائب الماضي وأخطائه لمصلحة الرؤية الصائبة لمصير الأمة ومستقبلها، وبوعي المؤمن بأن الفراغ لا يمكن ملؤه إلا من أقرب النقاط إليه.
يقول النشيد الوطني العربي السوري في أحد مقاطعه، فمنا الوليد ومنا الرشيد، فلم لا نسود ولم لا نشيد….
أمجادنا وتاريخنا المشرق وانتصاراته هي ما يلهمنا ويوجهنا ويهدينا، وسيكون حاضرنا مما حشدناه في تاريخنا، من انتصارات هذه هي عقيدة الأمم الحية، ونحن مقدمتها.
                           

العدد 1209 – 15 – 10 -2024 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها