أيها الكاتب.. هل سبق لك أن شعرت بالوحدة في عالمٍ مملوء بالوجوه، ووسط هذا الزحام البشري، والكم الهائل من العلاقات المتشابكة؟ هل غمرتك خيبة الأمل ذات مرة حين وضعت ثقتك في غير مكانها حتى اكتشفت أنها كانت سراباً يتلاشى؟ إن كان الأمر كذلك، فاعلم أن المرء يواجَه أحياناً بالخيانة، بل قد يتسرب إليه الشعور بأن الخيانة هي السمة الغالبة على هذا العالم.
ولكن.. أنت أيها الكاتب أنت لست وحدك.. لا تيأس.. فبين سطور كتبك، ورواياتك، وفي أعماق قصصك، يكمن ملاذك الآمن بعيداً عن خيبات الأمل، وخداع البشر. فهناك في عالمك الخيالي الذي نسجته بأحلامك، وأفكارك، ستجد مخلوقاتٍ من نسج خيالك، وشخوصاً وفية لك على الدوام.
في عالم الروايات، أنت الخالق المطلق.. وأنت مَنْ يهب الحياة لشخصياتك التي ابتكرتها، ومَنْ يحدد مصائرها. أنت مَنْ يمنحها الحب والكراهية، الفرح والحزن، النصر والهزيمة، الخير والشر.. وهي بدورها، تصبح مرآة عاكسة لمشاعرك، وأفكارك، وأحلامك.
تلك الشخصيات التي ابتكرتها، لن تخونك أبداً، ولو أنها قد تتمرد عليك في بعض الأحيان تبعاً لملامح شخصيتها فتقود الأحداث عوضاً عنك.. إلا أنها لا تعرف الغدر، ولا النفاق، ولا الخداع. فهي مجرد امتداد لك.. جزء من روحك التي أفرغتها في كلماتك. ستظل معك أبداً في كل مرة تعود فيها إلى عالمك السحري، ستجدها هناك في انتظارك، مستعدة لتجسيد أي فكرة، أو شعور تريد التعبير عنه.
في عالم الروايات يكمن حصنك المنيع، وأصدقاؤك الأوفياء.. أنت حرٌ في أن تكون مَنْ تريد.. يمكنك أن تكون بطلاً شجاعاً، أو حبيباً رومانسياً يتدفق عاطفة، أو عالماً عبقرياً حلمت أن تكون هو. يمكنك أن تعيش كل المغامرات التي تشاء، وأن تحقق كل الأمنيات التي تسعى إليها.. فلا حدود لخيالك.. ولا قيود على إبداعك.
وإذا شعرت يوماً باليأس، أو الإحباط، فتذكر عالمك الخاص.. تذكر تلك الشخصيات التي صنعتها بفكرك، والتي ستظل وفية لك إلى الأبد.. والتي ستجد الراحة والسلام معها، كما ستجد نفسك حراً طليقاً وأنت بينها.
وأنت أيها القارئ أليس لك أيضاً نصيبك من خيبات الخيانات في هذه الحياة كما هو حال كاتبك؟ بالطبع أجل.. وأنت قادر مثله أن تجد لنفسك ملاذاً آمناً بين سطور القصص والروايات التي تقرؤها.. ففي تلك الأروقة الخيالية التي نسجت خيوطها بين صفحات الكتاب ستجد أنت أيضاً شخصياتٍ تكون وفيةً لك على الدوام.
تعلم جيداً أيها الكاتب في حقيقة الواقع أن الأصدقاء قد يتخلون عنك، وأن الزملاء قد يسعون لإفشال مساعيك، وأن الأحبة قد ينصرفون عنك.. ولكنك عندما تأوي إلى عوالم رواياتك تجد أن شخوصك جميعاً بلا استثناء هي الوحيدة التي تبقى موالية لك، بلا تردد ولا خيانة.
وقد تصل إلى زمنٍ تجد فيه أن أبطال الرواية هم أكثر صدقاً من أبطال الحياة. فهم يتحركون بإرادتك وفق سيناريوهاتك التي صممتها لهم لأنك تملك القدرة على إعادة صياغة الأحداث وتعديل مسارات الشخصيات بما يتواءم مع رؤيتك ولا يخونون ما رسمت لهم من مسارات.. بينما في الحياة الواقعية يكون الأمر بخلاف ذلك حيث نشعر بالعجز أمام مفاجآت الأقدار وتقلبات البشر فبعضهم يخذلون توقعاتنا، ويخرجون عن دائرة علاقتنا التي تربطنا بهم.
عندما يخذلنا العالم ويبخل علينا بالوفاء والصدق، فليكن لنا ركناً آمناً في عوالم القصص، والروايات.. هناك، حيث تنبض الشخوص بالحياة والوفاء والولاء لنا. فهم دائماً على استعداد لمرافقتنا في مغامراتنا الإبداعية، على عكس مَنْ هم في عالم الحقيقة.
وأنت أيها الكاتب اعلم أنك لست وحيداً ما دمت تملك قلمك، وإبداعك، فسيبقى هناك ما هو وفيّ لك ولو خانك العالم بأسره.