الثورة – هفاف ميهوب:
في مقدمة كتابه “أميركا الكتاب الأسود” يشير الكاتب والصحفي الأميركي “بيتر سكاون”، إلى أن ما عرفه أكثر عن أميركا، وبعد عمله في الإعلام لمدة ثمانية عشر عاماً، هو أنها ارتكبت بشاعات كثيرة، وبأن سياستها الخارجية وديكتاتوريتها الفتّاكة ورعايتها للإرهاب، هم السبب في نظرة مواطنيها إليها، كأمّة شريرة وغير صالحة، استحقّت قوله عنها:
“لإرضاءِ مصالحها، تولّت الولايات المتحدة مهمة إبادة الناس الذين لا ترغب بهم، في الدول الأجنبية.. لو رأى الأميركيون للحظةٍ دولتهم، كما تراها الأمم الأخرى، لأدركوا أن الأهوال التي ترتكبها حكومتهم، هي ما جعل هذه الأمم، متخمة بشعارات الحرية والديمقراطية”..
إنه جزء من المقدمة التي بيّن فيها، أن ما قام به في كتابه، هو “فحص متأخرٍ للتاريخ الأميركي الحديث، في ضوءِ مزاعمه التي أعقبت الحادي عشر من أيلول، وبأن هذا الفحص وإن كان متأخراً، إلا أنه محاولة لتسليحِ القرّاء بمعلوماتٍ، تدحض ادّعاءاتِ حكومة الولايات المتحَّدة، بالوضوح الأخلاقي والنوايا البريئة”.
هذا ما بيّنه “سكاون” في كتابٍ، استند فيه على وثائق ومصادر منطوقة أو مكتوبة، تؤكد فشل سياسة أميركا الإعلامية، في محاولة إظهارها بدور الضحية، ولأنها تعامل كلّ من يعاكس اتّجاهها، كما عاملت كاتبة المقالات والروائية “سوزان سونتاغ” عندما كتبت رداً غاضباً عن سطحية هذا الإعلام، في تغطيته لأحداث ما بعد الحادي عشر من أيلول، وعن قيامه بشنّ حملةٍ “لحشد الرأي العام”، وإقناع العالم بأن الهجوم كان على رمزِ الحرية.
لقد كانت ردّة الفعل الأميركية تجاه موقف “سونتاغ” سريعة ومتوحشة، فقد لقّبت بـ “الكارهة لأميركا” و”البلهاء” و”الخائنة”، إضافة إلى أن صحيفة نيويورك بوست، أرادت انتزاع أحشائها حسب تعبيرها، ليكون ما عادت وكتبته بعد اتّهامها بأنها تمادت في آثامها:
“على الأميركيين الذين أدركوا الآن، الآلام والتكاليف البشرية البشعة لهذه الأفعال، التفكير بالتفوق الأخلاقي المزعوم لبلدهم، وإعادة فحص تحالفاته وأفعاله”.
كُثرٌ من أساتذة الجامعات والكتّاب، والمنتجين ومقدميّ البرامج والإعلاميين، تعرّضوا لما تعرّضت له “سونتاغ” من هجومٍ سببه نبرتهم الاحتجاجية، ورفضهم للسياسة الأميركية، بل ومطالبتهم:
“يجب أن تتخلّى أميركا عن هيمنتها الدكتاتورية، وعن جعل اسمها يعني “الخوف والاضطهاد والموت والدمار والإرهاب”.
دلّ “سكاون” على ذلك، بإرفاقه أسماء ومقالات وآراء العديد من المنتقدين لسياستها، ممن وافقهم الرأي، بأن أكبر دليل على عنفها وغير إنسانيّتها، ما اقترفته دون رحمة أو شفقة، بحقّ مدينتي “هيروشيما” و”ناغازاكي” اليابانيّتين، بل وبوصفها لمنتقدي غطرستها، وسعيها للفوز في سباق التسلّح، بالمجانين والطامحين، ودون أن يمنعهم ذلك من انتقادها، ونشر مقالاتٍ يقول فيها أحد الشاهدين على إرهابها:
“لن تُمحى من عقولنا الحقيقة المجرّدة لنا، أننا من بين كل الأمم المتحضّرة، لم نتأخّر في استخدام السلاح الأكثر دماراً، ضد النساء والرجال والأطفال.. بالتأكيد لسنا فخورين بما فعلنا، إذا صرّحنا بأفكارنا بأمانة، فنحن خجلون من ذلك..”.
كلّ ذلك، تناوله “سكاون” عبر فصولٍ متتابعة، استرسل فيها بالحديث عن التدخلّ الأميركي المروّع، في دولٍ كثيرة كـ” التشيلي، فنزويلا، غواتيمالا، كمبوديا، الخليج، إيران..”.. هذا التدخّل الذي كان مبرّره حاضراً لديها دوماً، فتارة بدعوى الشيوعية، وتارة محاربة الإرهاب، ومن حججها أيضاً “معاداة الديمقراطية التي تعتبرها أساساً مقدّساً لها، في الوقت الذي تسمح فيه لكلّ مؤسساتها، بالفساد والتزوير والتحيّز والخيانة والممارسات الإرهابية”..
لم يكتفِ “سكاون” بنقدِ سياسة أميركا الخارجية، ذلك أنه قام أيضاً، بنقد كلّ ما تقوم به داخل ولاياتها، ويشمل سيطرتها على المجالات الدينية والثقافية والسينمائية والموسيقية..
باختصار.. الكتاب يروي حقيقة أميركا التي كشفت حتى لأبنائها، بأنها ليست حامية للعالم ولإنسانيّته، بل “أمّة مخالفة، تزرع الألغام في المياه الدولية، تخرق سيادة الدول الأجنبية لأهداف سياسية، تنظم فصائل الهجوم لإرهاب الشعوب البريئة غير العسكرية، وتكذبُ على شعبها حول نشاطاتها، وتتدخّل في كلّ أموره، حتى في مطاعمه ووجباته السريعة”.