الثورة – رفاه الدروبي:
تستقي الأجيال الشابة معلوماتها ومخزونها الفكري ليس من الكتب فحسب، بل هناك ينابيع معرفية تركت آثارها عبر الزمن فكانت مدلول إشعاع لهم وخاصة في الفن التشكيلي، لذا نُظِّمَتْ ندوةٌ ضمن أيام الفن التشكيلي السابع عنوانها: “لقاء أجيال التشكيلي حوار بين جيلين” شارك فيها الدكتور سائد سلوم، والدكتورة ناهد بلان، وأدارها التشكيلي أكسم طلاع في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.
تغيّر القيم الجمالية
أستاذ التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق الدكتور سائد سلوم تحدث عن تغييرات القيم الجمالية إلى الفن والشبيه به والمقدَّس والمُدنَّس فيه، وحدَّد الجمال في خاصية الإنسان العاقل المتميز بعقله ورسالته المنطقية لأنَّ العقل والنطق صنوان في صنع الجمال، بينما تغيّرت قيمة الإنسان الناجح -زوراً- وروج للتغيير من لا يدرك معنى الإنسان عير فوهة التواصل اللا اجتماعي أو الانفصال الاجتماعي، فأصبح المال والميلان نحوه والانحراف له مقياس النجاح، ولم يميزوا بين الانحراف الخاطئ والإبداعي، ويلبس الذكاء الصنعي الصحيح بالمزيف والحق بالباطل، إنَّه لن يكون إلا مجمع المتناقضات لا ينبئ إلا عن شر من أهل الشرور في المستقبل، إنّ لم يحسن الجيل الصاعد إدراكه ونتائجه على البشرية.
التسلسل الزمني
ولفتت الدكتورة ناهد بلان إلى أنَّ العمل الفني يحفظ الحقيقة الجوهرية، عندما يقصد أن تكون تاريخية، إنَّما أراد الفن إثبات لحظة تاريخية ما معينة، ولا يتعلق باسترجاع الماضي، وإنَّما بالتسلسل الزمني ودراسة الأشكال وليدة لحظتها كونها تثبت تجربة الفنان المُعاشة، وما يزيد الدهشة في فنون الحضارات القديمة الديمومة، والفنون إن كانت تتبع حاجة جمالية في عصره وزمانه إلا أنَّها كمرجعية جمالية للفنان السوري والمعاصر لا يمكن قياسه بارتباط تاريخي وعصري وإنما في ديمومته وتأثيره بالفنون اللاحقة ما يُسمَّى بتواصل الوجود الإنساني أو تلاحم الآفاق، ويُفسِّر الفنون الماضي والتراث لجعله مفهوماً، وبالتالي ما يُفسِّر تأثير الفنان يمثل بالفنون وتصبح مرجعية شكلية له في المراحل اللاحقة، وإنَّ فنون الحداثة والمعاصرة وفنون الحضارات الشرقية المعاصرة في سورية، ولاسيما فيما يتعلق بالأسلوب التعبيري والرمزي والسريالي يكون بقدرة الخيال على الابتكار والاستقاء من الأشكال باعتبار أن المعايير الجمالية اختلفت باختلاف الأساليب.
غياب المنهجية
من جهته أستاد الغرافيك والملتيميديا الدكتور عبد الناصر ونوس بيَّن أنَّ هناك معاناة وفوضى كبيرة في ظل غياب الاستراتيجيات في المؤسسات، ولايمكن الاختيار بين عمر ولون ومشروع آخرين، وإنَّما النهوض بالاستناد إلى برامج واستراتجيات وتحتها يكون كلّ المبدعين، وأسوأ مراحل الحركة التشكيلية وغير المبررة غياب المنهجية واستبدال المشاريع الكبيرة بأخرى صغيرة وأصغر، ما يقودنا إلى مفهوم غير مؤسساتي، ولا يمكن للإدارة أن لا تحبَّ وتكره بل عليها أن تقود القرارات الصحيحة تحت مفاهيمها، وغيابها مسألة كارثية، لكن عندما تبدأ بجيل تحبّه يكون المشهد ناقصاً رغم أنَّ الجيلين لديهم هموم واحدة علينا الأخذ بها وإلا سنبقى نراوح في مكان واحد.
النظر بعين فاحصة
من جهته الناقد سعد القاسم ذكر أن أيام الفن التشكيلي خلقت علاقة مهمة بين الكلية والمؤسسة التشكيلية الثقافية الرسمية، وأول مرة نظمت منذ أربع سنوات في مكتبة الأسد، وتمَّ إلغاؤها لعدم وجود حضور متفاعل لكن بالموسم الثالث أكّدت عدم جدواها لذا نُقلت إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، مبيناً أنَّه لا يهمُّ في اللقاءات كم الحضور؛ وإنَّما قيمتها المعنوية والثقافية وتقديم طروحات مهمة وعميقة، واعتبرها نقلة نوعية وتتجسد المشكلة بالفن نفسه، والحداثة بالنسبة لنا عدم تقبّلها كما تقبَّلها الفنانون في عقود سابقة، وماهية ومدى المحافظة على حضور الفرد وعقد حوار بين جيلين.
بينما تناول التشكيلي أكسم طلاع أثر الدورة السابعة للفن التشكيلي، أنَّ هناك تأسيساً احتفائياً له، والوزارة الراعية للفن التشكيلي اقتصرت على معرض الخريف فتوسَّع المعرض إلى الخريف الرئيسي والصالات الخاصة، وأصبح هناك تكريم أوسع للفنانين الراحلين والأحياء، وتكريس أنَّ الفن التشكيلي ليس احتفالاً فقط وإنَّما النظر للمشهد بعين فاحصة أكثر، والتعريف خلال الندوات على تلمس الأسئلة للفنان التشكيلي السوري، واكتشاف مواهب جديدة، والمعرض السنوي كان من حيث الكم، لفنانين يؤخرون عرضها لتتصدر المعرض السنوي، فكان هناك مراجعه على مستوى الكتابة والعمل والتواصل والحياة والمعرفة التشكيلية، لذا اتجهت الجهود للاهتمام بالنوع، وأصبح انتقاء معيارياً وثَّقة سوية عالية، وانتفى الحافز المادي منه.