تختلط مشاعر الحزن والنقمة والأسى والغيظ وأنت تشاهد الحرائق في اللاذقية وحمص ، مشاعر حزن وألم على احتراق آلاف الدونمات من الغابات والحراج ، ومشاعر النقمة والأسى من طريقة إدارة وحماية الحراج .
كل عام يتكرر المشهد ويكون التفحيم السبب الرئيسي لاشتعال النيران ، أما إجراءات الحراج فهي مزيد من التشدد بالعقوبات دون أي تطبيق فعلي لها على الأرض، في كل دول العالم يتم تقسيم المواقع الحراجية إلى مربعات يفصل بينها خطوط نار يزيد عرضها على مئة متر بحيث إذا اشتعلت بموقع يسهل محاصرته ولا تصل النيران إلى المربعات الأخرى. أما خطوط النار عندنا عرضها أربع أمتار من الأسفل والأشجار متداخلة من الأعلى.
خطوط النار الفاصلة بين المربعات تستخدم منتزهات ومزودة ببعض الخدمات وتقام في بعضها مراكز للنقاهة والاستجمام ويسهل الوصول إليها وفيها بعض خدمات إطفاء الحرائق وحتى بعض الاستثمارات المناسبة .
منذ سنوات والنار تأكل غاباتنا و يصعب التعامل مع النيران بسبب وعورة المواقع ، ولكن ماذا فعلنا ؟ تشدد بالقوانين نعم ولكنه زاد من أوتاوات و ابتزاز بعض عناصر حماية الغابات دون أن يقدم أو يحمي غاباتنا .
عشرات السيارات تجوب المدن والأحياء لتوزيع الفحم على ” الكفيات” والمطاعم فلماذا لم تجتهد وزارة الزراعة في الطلب من الجهات المعنية لمنع الفحم في هذه الأماكن واستبداله بالفحم الصناعي حصراً كما اجتهدت في التشدد على المواطن الذي يعيش في قلب الغابة ؟
هل ما وصلت إليه الغابات من إهمال هو ما تريده وزارة التنمية الإدارية بمنعها تعيين عمال مؤقتين يتم الاستعانة بهم لتشكيل فرق تنمية وتربية تُقلّم الأشجار وتنظف المواقع؟
هل بإعلان وزارة الزراعة عن مزادات لبيع منتجات الغابات من أحطاب وبقايا الأشجار بدل توزيعها أو بيعها بأسعار مخفّضة على القاطنين بجوار الغابات ،هل حققت بذلك إيرادات كبيرة وحَمَت الغابات ؟
هل بمنع الرعي في المواقع الحراجية تمت حماية الغابات ؟ مع الإشارة إلى أن كثيرا من الدول تشجع لدخول قطعان الماعز والأغنام إلى الغابات لتنظيفها من الأعشاب التي تساهم بنشر وسرعة الحرائق، يمكن لمن يريد التأكد من المعلومة الإطلاع على دور قطعان المواشي في فرنسا وإيطاليا واليونان في التخفيف من حرائق الغابات .
ما تم حرقه اليوم في الغابات من أحطاب بسبب سياسات متعاقبة من التشدد دون البحث عن التشاركية الحقيقية مع مجتمعات الغابات كان يكفي لتدفئة سورية لعام كامل وتوفير مازوت تعجز الدولة عن تأمينه.
قطاعنا الزراعي بتدهور مستمر ، الغابات والثروة الحيوانية والإنتاج وذلك لغياب سياسة واستراتيجية لأن من يخطط للمزارع والمربي أبناء مدن يتعاملون مع الغابات كالحدائق ” يرجى عدم قطف الورود ” ، الذي يخطط للزراعة ويرسم استراتيجيتها يجب أن يكون ابن هذه البيئة لأنه يعرف تفاصيلها وخصوصيتها وهو أكثر حرصاً عليها .
ما حضر بالأمس واليوم من آليات هندسية كان يمكن إحضاره في أيام أخرى لفتح خطوط النار والوصول إلى المواقع المشتعلة والتي توصف بالوعرة ، عندما نريد تتوفر كل الإمكانات ولكن يبدو دائما نصل بعد أن يكون انتهى كل شيء، نصل إلى الدفن .
تعود غاباتنا عندما نسمح بالفحم الصناعي فقط و نعتبر الفحم الطبيعي مثل المخدرات، تعود غاباتنا عندما يقتنع تجارنا باستيراد حطب التدفئة، وتعود غاباتنا عندما تنتفي صفة العدائية في تشريعاتنا للقاطنين بجوار وقلب الغابات، ويخطط لنا أشخاص من ذات البيئات يعرفون الخصوصية والتفاصيل .
يبدو أن وضع الغابات وكل القطاع الزراعي يتجه للتراجع والخسارة كما كل شركاتنا ومؤسساتنا العامة بسبب الإدارات المتعاقبة .
معد عيسى