الثورة – عمار النعمة:
لاشك أنه عندما نتحدث عن ملوك الطرب تستحضر الذاكرة أسماء كبيرة مثل فيروز وصباح فخري ووديع الصافي وعبد الحليم وأسمهان… الخ.
اليوم تمر ذكرى رحيل أستاذ الطرب- ابن حلب السورية المولود في عام ١٩٣٣- إنه صباح فخري الذي ملأ الدنيا طرباً وفرحاً وشجوناً وآهاتاً.. هو أيقونة حقيقية دمغت في تاريخ الفن السوري فكان بحق الأستاذ والمُعلم والمغني والملحن الذي سعى إلى تربية الأجيال على القيم والجمال والفضيلة في النفوس والذائقة الفنية الصافية, المدافع عن الفن الأصيل، فترك خلفه مستقبلاً وضَّاء مشرقاً للأجيال القادمة.
صباح الدين أبو قوس، صباح فخري.. (1933-2021) عمل على مدى 50 عاماً من الشهرة والشعبية التي نالها كمغنٍ على تعديل ونشر الأشكال التقليدية من الموسيقا العربية الآخذة بالتلاشي، وهي الموشحات والقدود الحلبية, وهو معروفٌ بصوته القوي بطريقةٍ استثنائية، وأدائه الذي لا تشوبه شائبة للمقامات وألحانها، ويُعرف بأدائه المميز على المسرح.
دخل أكاديمية الموسيقا العربية في حلب، بعد ذلك درس في الأكاديمية في دمشق، وتخرج من المعهد الموسيقي الشرقي عام 1948، بعد أن درس الموشحات والإيقاعات ورقص السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود، ومن أساتذته أعلام الموسيقا العربية من الموسيقيين السوريين كالشيخ علي درويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي ونديم إبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غنام.
وقد مُنح اسمه الفني “فخري” من قبل مرشده، الزعيم فخري البارودي، والذي شجعه وهو شابٌ صغير على البقاء في سورية وعدم مغادرتها نحو إيطاليا, حيث لم يدرس في القاهرة أو يعمل فيها، مُصراً على أن شهرته مرتبطة بالإرث الفني في موطنه سورية.
هو واحدٌ من قلة من فناني البلدان الناطقة بالعربية الذين حصلوا على شعبيةٍ كبيرة وشهرة واسعة بغنائه باللغة العربية وذلك في العديد من الدول في قارات (أوروبا وآسيا والأمريكيتين وأستراليا)، واسمه خالدٌ في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأدائه البطولي في كاراكاس، فنزويلا, حيث غنى لمدة عشر ساعاتٍ متواصلة من دون توقف.
غنى فخري العديد من أغاني حلب التقليدية، والمأخوذة كلماتها من قصائد أبو فراس الحمداني والمتنبي وشعراء آخرين. كما تعامل مع ملحنين معاصرين.
من أشهر أغانيه: يا حادي العيس، ومالك يا حلوة مالك، وخمرة الحب، ويا طيرة طيري، وفوق النخل، وقدك المياس، ويا مال الشام، وموشحات، يا شادي الألحان، وابعتلي جواب، وآه يا حلو.
من أعماله السينمائية فيلم “الوادي الكبير” مع المطربة وردة الجزائرية، كما شارك في فيلم “الصعاليك” عام 1965 مع عددٍ من الممثلين مثل دريد لحام ومريم فخر الدين ومن برامجه التلفزيونية “أسماء الله الحسنى” مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، ومسلسل “نغم الأمس” مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري حيث سجل ووثق ما يقارب 160 لحنًا ما بين أغنية وقصيدة ودور وموشح وموال حفاظاً على التراث الموسيقي العربي الذي تنفرد فيه حلب.
لحن صباح فخري وغنى قصائد عربية جيدة لأبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني ومسكين الدارمي، كما غنى لابن الفارض والرواس وابن زيدون وابن زهر الأندلسي ولسان الدين الخطيب, كما لحن لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي وأنطوان شعراوي وجلال الدهان وعبد العزيز محي الدين الخوجة وعبد الباسط الصوفي. وغنى في كثيرٍ من المهرجانات العربية والدولية.
مُنح صباح فخري عدداً كبيراً جداً من الجوائز وشهادات التقدير من جامعات وهيئات أمريكية تقديرًا لجهوده المبذولة في إحياء التراث العربي الأصيل، قلَّده السيد الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة في 12 شباط/ فبراير عام 2007 في دمشق، كما نال وسام تونس الثقافي الذي قلَّده إياه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1975 ، ووسام التكريم من جلالة السلطان قابوس عام 2000، ونال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية في دمشق عام 1978،
شغل مناصب عدة، منها نقيب للفنانين السوريين ونائب رئيس اتحاد الفنانين العرب وسفير الغناء العربي.
توفي صباح فخري في الثاني من تشرين الثاني 2021.
