لا يستهان بالدخان المتصاعد من انتخابات البيت الأبيض انه دخان يرسم ملامح دونالد ترامب الرئيس الذي غادر المكتب البيضاوي منذ اربعة اعوام والعالم يعطس من ازمة كوفيد ليعود والعالم ايضا مزكوم ويختنق بالحروب والتوتر الذي استمرت به وسببت المزيد منه واشنطن (بايدن) خاصة في اوكرانيا والشرق الاوسط وحتى بحر الصين.
شخصت عيون العالم كله الى نتائج الانتخابات الاميركية فهي لا تحدد فقط مصير اميركا بل تحدد ايضا اين تذهب اميركا في حروبها مع العالم .. وكيف سيعالج ترامب تهدمات جديدة للهيمنة الاميركية، هل بمزيد من الحروب ام بخطابات السلام الذي يدعيه فسقوط الوحش الاميركي احادي القطبية لاشك انه يهيج وحيد القرن ترامب كما اطلقت عليه سابقا الصحافة العالمية.
في الواقع لافرق لو فازت كاميلا هاريس ام فاز ترامب الا بالفروقات السلوكية بين الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري فالدولة العميقة في واشنطن هي ذاتها لكن (المجيء الثاني ) لترامب هو عودة لسياسة رقص الراب الاميركي على ايقاع الحروب الكبرى في المنطقة والعالم وحتى داخل اميركا ذاتها هذا الرقص الذي يتراوح بين الهدوء والضجيج ويتناغم مع شخصية الرئيس الاميركي الى درجة انه يرقص منفردا في بعض الاحيان.
اكثر ما يقلق في عودة ترامب انه الرئيس الذي يتوج فعليا فوق لحظة انزلاق حقيقية لقدم اميركا المتوحشة التي ابتلع بطنها الامبريالي اقتصاد العالم وفي مخالبها تنمو الآلة العسكرية الأكثر تطورا دونما توقف وبين اسنانها تلوك المؤسسات الاممية فكيف يقود ترامب هذا الانزلاق وكيف يستوعبه آلام الوحش الاميركي .. بمزيد من الحروب ام يسنده بحبال التهدئة والاتفاقات؟.
ثمة من يقول ان ترامب رجل المفاجآت والاحتمالات مفتوحة في عهده لكن السياسة الاميركية لا تتغير بالتالي هذا الرئيس قادر على تحويل استراتيجيات الدولة العميقة الى قرارات متدرجة من الصادم الى التهريج لذلك فالمرحلة القادمة لاميركا معنية بانقاذ اميركا اولا لذلك فاز ترامب فهو القادر على مواجهة الحلفاء والخصوم بحجة شخصيته المجنونة كما وصفه الكثيرون في الاعلام والسياسة.
لذلك فوز ترامب لن يكون خبرا سارا للكثير من حلفاء واشنطن فهو بارع في تقديم القرابين على مذبح اميركا اولا.
فربما يتوقع الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلنسكي ان يكون هو او ل شاة يقدمها ترامب لايقاف نزيف الجيب الاميركي في المعركة مع الروس فهو لن ينسى صدى صوت ترامب في عهد بايدن وجملته الشهيرة لو كنت انا الرئيس لما اشتعلت الحرب الاوكرانية مع روسيا ليس حبا بالسلام لكن في نظر ترامب الذي هو نظرة السياسة الاميركية يأن أمن اميركا ليس من امن اوروبا .. ومبدأ الجزية وارد جدا في قاموسه السياسي والاقتصادي وعلى الاصدقاء دفع الثمن الاكبر حتى في الصادرات والواردات بين العم سام والقارة العجوز.
ومن طلب الحماية او قصد البيت الابيض سيدفع صاغرا سواء اوكرانيا واوروبا او حتى تايون فالمعركة بين اميركا ترامب والصين قد تأخذ شكلا اقتصاديا بحتا لايشبه الاحلام الانفصاليه التي يحلم بها لاي تشينغ دي رئيس تايون وللاخير عبرة سيراها بمصير الرئيس الاوكراني زيلنسكي.
وحده نتنياهو ينام بعمق في احضان ترامب فهو يدرك ان معركته هي معركة اميركا اولا فالحرب في المنطقة وتحديدا في غزة ولبنان هي حرب واشنطن قبل أن تكون حرب الكيان وهو اي نتنياهو الاعلم بأن فتح الجيوب الاميركية العميقة لليد الاسرائيلية في حرب الابادة في غزة او لبنان هو لاجل اميركا واميركا اولا.
نتنياهو يعلم ان اشتعال الحرب ومصيرها في المنطقة يحدد جزءا كبيرا من مصير اميركا في العالم لذلك تقاتل واشنطن بآلة الوحشية الاسرائيلية على مبدأ ان تكون اميركا في الشرق الاوسط او لا تكون على عرش الهيمنة في العالم وهنا يستغل نتنياهو ان رأس الكيان الذي يحمل عيني الشيطان الاميركي في المنطقة بحماية وعهدة ترامب.
لذلك وحدها المقاومة في غزة ولبنان وكل جبهات الاسناد والمعركة كلهم لايكترثون بالدخان الذي تصاعد من البيت الابيض معلنا مجيئا وعودة ثانية لترامب.. فالقادم من واشنطن دائما اسوأ للمنطقة التي توجد فيها اميركا الصغرى على مساحة الاحتلال الاسرائيلي.