الملحق الثقافي- عبد الكريم العفيدلي:
منذ أن ظهر خطاب العولمة وبدأ هيمنته على كلّ حوار ثقافي آخر ، بات التنوع الثقافي بالعالم مهدداً وأصبحت الثقافة العربية تعاني من مخاطر تستهدف الهوية وتدفع بها إلى حافة التلاشي ، بات المفكرون في حيرة بين إيجابيات وسلبيات هذا الخطاب ، وهل له تأثيرات مستقبلية أم أنه حالة صحية تجعل من كافة الشعوب يتشابهون في أنماط وأساليب الحياة والإنتاج ؟
تراجع مصطلح العولمة قليلاً بظل ظهورمواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءاً من حياتنا فأصبح كلّ الناس يتواصلون وكأنهم بغرفة واحدة ،وهنا بات الجدل حول الغزو الثقافي يتصاعد وأصبح البحث باستعادة الهوية الثقافية أمراً غير مجدٍ لأنه عكس الواقع الذي فرض نفسه بقوة وقطع طريق العودة إلى جذورالثقافة ، ولكن هذه العودة لايمكن أن تتحقق من دون التحرر من قيود الفهم الخاطىء للدين الذي بات يحتاج منا لإعادة تحقيق في كلّ ما وصلنا منه وفك ارتباطه بالسياسة ، لأن التحالف بين السياسة والفهم الخاطىء للدين أوصلنا لهذا الانحراف بالخطاب الثقافي العربي ، فبتنا ببغاوات تردد ماتسمع من الغرب ونستخدم مصطلحاتهم ومفاهيمهم ونأخذها كمسلمات مبتعدين كلّ البعد عن أصالة ثقافتنا وساورتنا الشكوك حول عروبتنا وتقاليدنا ، بل بتنا كشعوب نتشابه بالمأكل والملبس ونمط الحياة والأسلوب لقد علّبت لنا العولمة كل شيء ، حتى الثقافة باتت تصدر لنا معلبة .. وهنا الخطورة حين نفقد الهوية والإنتماء لتاريخنا بل ننسلخ منه ونبحث في وهم العولمة عن مكان لنا .
لانستطيع تطوير المعرفة وتجديد الخطاب الثقافي العربي الذي يعيد لنا هويتنا من دون التسلح بالوعي والتنبه لما يحاك لنا ، وصلنا لمرحلة أن ينظر البعض منا للثقافة على أنها رفاهية ووهم، اعتقدنا أن الثقافة حاجة ثانوية وليست أساسية ، وقد ابتلينا بالعالم العربي وخصوصاً في الربع الأخير بقيادات ثقافية تعاني أزمة هوية نتيجة تأثرها بالعولمة ، ومنها من هم غير مؤهلين للقيادة جاءت بهم الأحزاب السياسية والشللية المقيتة وهذا ما يفسر غياب الكثير من الأسماء المهمة وجعلها حبيسة الكواليس ، عدا عن ذلك أعطت هذه القيادات الحقّ لنفسها بتوزيع شهادات الوطنية على أصحاب الفكر الحقيقي والخطاب الناضج ، وانحرفت عن مهمتها الأساسية في تطوير المعرفة ورفع مستوى الوعي يتمسكون بخطاب خشبي عفا عليه الزمن وأصبح لا يصلح للواقع الحالي ، وهذا -بلاشك -لاينتج إلا المزيد من التأخر والتخلف والجهل ويزيد الشرخ بين الأجيال ،والمسؤول عن كل ذلك هذه القيادات التي لاتملك رؤية واضحة سوى ترديد الشعارات وعقد المؤتمرات التي لم تصل إلى آلية تنتج من خلالها خطاباً ثقافياً يتناسب مع روح العصر ويحافظ على نقاء ثقافتنا .
لايمكن استعادة هويتنا الثقافية العربية من دون الخروج من عباءة العولمة ، وإعادة تحقيق الموروث الديني والثقافي الذي بين أيادينا والعمل على مشروع ثقافي جامع تحشد له كلّ طاقات المؤسسات العربية والمنظمات الفاعلة وخصوصاً تلك المعنية من تربية وتعليم وإعلام وثقافة و توفر له الإمكانات اللازمة ووضع آليات قابلة للتنفيذ والأهم من ذلك أن تؤمن بهذا المشروع القيادات السياسية وتدفع به للنجاح.
العدد 1213 – 12 – 11 -2024