الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
دمشقية الهوى والفؤاد والنسب. جلق تسكنها وترافقها أينما ذهبت. لا تستطيع أن تتحرَّر من عشقها الأبدي لها.. مسقط رأسها كان في حي النوفرة عام 1928م. عاشت طفولتها حتى سن الحادية عشرة في بيت الجد الكبير بين تلك الأزقة والحارات العتيقة المُحمَّلة برائحة الياسمين. أحاطتها ظروف مجتمعية سلبت المرأة حقوقها كاملة فلم يتم تقبُّل أفكار تحرُّرها وعملها في الصحافة أو الأدب، لذا شرعت تحفر طريقها بثبات وإصرار حتى نالت شهادة البكالوريوس في قسم اللغة العربية عام 1945م، ودبلوم التربية في جامعة دمشق. كما قدَّمت أطروحة دكتوراه ولم تناقــــشها؛ بل درست التصوّف واستغرقت في اتجاهه الفكري الفلسفي وقتاً، متأثِّرةً بابن عربي، ابن الفارض، عبد القادر الجيلاني، ثم عُيِّنت كمدرِّسة لأصول اللغة العربية وآدابها في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين.
فاح أريج قلمها
بدأت موهبتها في الكتابة تتضح معالمها منذ صغرها إلى أن نشرت أول قصة لها في مجلة لبنانية بعنوان «شبح أم»، كما نالت قصتها «دمية العيد» جائزة أفضل قصة قصيرة في مسابقة عالمية، ومازالت في المرحلة الثانوية.
تأثّرت قمر بكتب جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، المنفلوطي، والقصص المترجمة عن الفرنسية، إضافة إلى الكتب الفلسفية لشاكر مصطفى.
جمح قلمها في سني الجامعة، قافزاً فوق وديان التّقاليد، يصهل بحريّة المرأة، والحضّ على تعليمها ما يؤهِّلها لاستقلال قطار الحياة بجدارة، فسالت حممه على صفحات المجلة الجامعيّة لطلاب كلية الآداب بعد انتسابها إليها في قسم اللغة العربيّة، تحت اسم مستعار «رائدة النبع» ، إلا أنَّ اسم «المتمردة الذهبية» أطلقه البعض على قلمها والتصق بريشتها.
ثم بدأت تكتب باسمها الحقيقي بكلِّ جرأة فدوَّنها التاريخ كواحدة من الأقلام النسائية القليلة والرائدة في تلك الفترة، وأثرَتِ الساحة السورية بكتاباتها المتنوعة بين الرواية والقصة القصيرة والمقالات الأسبوعية، لكن أبرز أعمالها كانت رواية «الدوامة» و»بستان الكرز» تطرَّقت فيهما للحالة الاجتماعية والسياسية في سورية.
كما اعتبرت من أبرز الروائيات العربيات اللواتي سعين إلى إعطاء المرأة حقها وتصحيح صورتها في الرواية، لذلك أسندت الكاتبة بطولة رواياتها إلى نساء من مواقع واتجاهات مختلفة. لكن حماستها لقضية المرأة ورغبتها القوية في إنصافها جعلاها تضفي على بطلاتها هالة من الكمال مع إهمال الرجال في المجتمع الروائي. بينما حاولت في تجربتها الروائية أن تعطي المرأة حقها من الاهتمام والتقدير، وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية، فكانت رائدة في محاولتها الروائية ومتميزة في استخدام مقومات العمل الروائي. كتبت مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية منذ عام 1955 فتنوَّعت مؤلفاتها بين الدراسات والأبحاث والروايات والقصص المنشورة في عدد من دور النشر السورية والعربية، وخُصِّص لها مقال أسبوعي في إحدى الصحف الرسمية السورية منذ عام 1963، ثم ترجمت بعض أعمالها الأدبية إلى الروسية، الفرنسية، الإنكليزية، الفارسية، الهولندية. وتمَّ إنجاز عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض منها للتدريس في جامعات أوروبية وعربية.
بين الأدب والإعلام
عانت الأديبة الكيلاني من الإفصاح عن اسمها كأديبة وكاتبة، وكان لفترة ستينيات القرن الماضي ومارافقها أثراً كبيراً عليها باعتبارها بدأت بمرحلة انفتاح فعلياً، وأتيح لها نشر قصص ومقالات لها في الأعداد الأولى من جريدة البعث، بعد تجربة مريرة من أيام الانفصال، حيث أنشأت مع نخبة من الكتاب والمثقفين، والنقاد مجلة اسمها «ليلى» كونها تميَّزت بإخراج متفرِّد وبتكاليف معقولة، دون أن تتقاضى ثمناً لأية كلمة فيها، ولمعت في الفترة ذاتها مع أسماء كتَّاب كثيرين على الساحة الأدبية، من بينهم محي الدين صبحي، محمد الماغوط، وغيرهم، أصبحوا مراسلين لمجلات شهيرة أدبية أو ثقافية في الخليج وفي لبنان، وظلت رغبتها الأولى في أن تكون في موكب القصة القصيرة فنشرت أعداداً منها كثيرة في الوطن العربي كلِّه، إضافة إلى الإذاعات العربية والعالمية باعتبارها كانت تحتفي بالقصة القصيرة وتذيعها في برامجها الثقافية.
أما الرواية فاستعاضت عنها، بالمسلسلات الإذاعية، بسبب تعذّر نشرها، فيما شكَّلت بعض المسلسلات من الروايات مثل رواية «الأشباح»، وأدرج بعض إنتاجها في مناهج الجامعات كنماذج عن الأدب العربي الحديث،
نشرت فصول روايتها عن دمشق، والحياة الاجتماعية والسياسية فيها منذ الثلاثينات إلى الخمسينات من القرن الماضي في الموقف الأدبي، وأدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العربية والعالمية، وموسوعة أعلام القرن العشرين، كما اهتمت المجلات الإسبانية بنشر نماذج من إنتاج أدباء عرب ودمشقيين خاصة لما لهم من صلة حضارية بالأندلس.
كلاسيكيات الأدب
كان الكتاب رفيق الحياة الدائم منذ الطفولة حيث ترعرت بقراءة كلاسيكيات الأدب العربي، ثم شعر جبران خليل جبران ونزار قباني متجهة نحو التنويع، حيث لازمتها كتب الفلسفة أيضاً لتُشكِّل منطلقاً لها نحو الحياة الأدبية البحثية، وتخصصت في مجال البحث فترة زمنية، إذ اهتمت بالدراسات التاريخية ذات الطابع الأدبي والإبداعي فبحثت في مجال التصوف الإسلامي وأصدرت بحثها عن دار شعر ليوسف الخال وأدونيس حيث كان أول كتاب تصدره الدار الناشئة حينها عام 1962، ولم تتوقف أدواتها البحثية بل رصدت الكثير من الظواهر الأدبية والشعرية في التاريخ العربي مضيئة حياة أسماء من كبار رجالات الفكر والأدب العربي.
كان لها وقع ذو صدى في الصحافة العربية إلى جانب النشاط البحثي المهم وخاصة في فن المقالة، واستمرت في كتابتها حتى أواخر أيامها، وكانت في فترة مبكرة مراسلة لمجلة أدب وشعر في دمشق، كما كتبت في عدد كبير من الصحف السورية مثل صحيفة الرأي العام أيام الانفصال ثم في الصحف: البعث، تشرين، الثورة، حيث كانت زاويتها في الثورة بعنوان «معاً على الطريق».
العدد 1214 – 19 – 11 -2024