الثورة – سمر حمامة:
في زمنٍ أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي نافذتنا اليومية إلى العالم، تحوّلت هذه المنصات إلى أداة ذات حدّين، فمن جهةٍ تُتيح لنا التعبير عن آرائنا ومشاركة أفكارنا، ومن جهةٍ أخرى باتت في كثير من الأحيان ساحة للفوضى، والتراشق، والقدح، والذم، والإساءة المتبادلة، ما شوّه صورة الواقع الحقيقي للمجتمع السوري، وأساء إلى روحه وتماسكه.
من خلال ما يُنشر على صفحات “فيسبوك” ومنصات أخرى، قد يظنّ المتابع أنّ المجتمع السوري فقد وحدته، وتلاشت فيه قيم الاحترام والتقدير المتبادل، غير أن هذه الصورة الرقمية غالباً ما تكون مشوهة، لا تعكس حقيقة السوريين على أرض الواقع، فعندما نغادر هذه العوالم الافتراضية ونتجول في الشوارع، أو نجلس في المقاهي الشعبية، ونتبادل الحديث مع أصحاب المحال أو المارة، نكتشف شعباً آخر، شعباً نابضاً بالطيبة، والاحترام، وحسن المعشر، والتعاطف الإنساني، رغم كل ما مرّ به من أزمات وضغوط متراكمة.
يقول أبو محمد، بائع خضار في إحدى ضواحي دمشق: أرى يومياً مواقف إنسانية نبيلة بين الناس، أحدهم يساعد مسنّاً في حمل أغراضه، وآخر يتبرع لأسرة محتاجة، ولكننا لا نرى هذه الصور في العالم الافتراضي، بل نرى فقط العنف اللفظي وسوء الظن.
“وتشاركنا رنا، طالبة جامعية في كلية الآداب، وجهة نظرها بقولها: “تجربتي على مواقع التواصل كانت صادمة؛ عبّرت عن رأي بسيط فقوبلت بهجوم جارح، شعرت بالخوف من التعبير، لكن عندما أتعامل مع الناس وجهاً لوجه، أرى وجوهاً مبتسمة وقلوباً رحيمة.
“أما وليد، موظف وأب لثلاثة أطفال، فيشير إلى ظاهرة أخرى بقوله: “مشكلة وسائل التواصل ليست فقط في المنشورات، بل في انعدام التحقق من المعلومة، منشور بسيط قد يشعل فتنة، لأن الناس لا تتحقق من النية أو المصدر، بل تنفعل وتهاجم فوراً.
“لقد غدت بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مرتعاً لأصحاب النفوس الضعيفة، الذين يستغلون أي منشور أو موقف لتحقيق مصالح شخصية أو لتصفية حسابات، أو لبثّ الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
ويمكن تسمية هذه الظاهرة “بوباء الفيسبوك”، حيث يُساء فهم المنشورات أو يُقصد تحريفها، لتُقابل بتعليقات مليئة بالسباب والتجريح، دون محاولة لفهم السياق أو النوايا الحقيقية.
وتؤكد المرشدة الاجتماعية دارين السليمان، أن ما نشاهده على مواقع التواصل ليس انعكاساً حقيقياً للمجتمع، بل صورة منتقاة لمشاعر لحظية ومواقف متوترة، لقد تحوّلت هذه المنصات إلى مسرح للتفريغ العاطفي لا للحوار البنّاء، ما يزرع الشكوك ويُعمّق الانقسامات.
هذا السلوك لم يعُد يشوّه صورة الأفراد فحسب، بل يزرع الكراهية، ويُعمّق الشرخ المجتمعي، ويُضعف الروابط الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، موضحة أنّ التعميم آفة خطيرة، وأحد أشدّ مظاهر الظلم عند تقييم المجتمعات.
فليس من العدل أن نُسقط سلوك قلة على مجموعات بأكملها، وليس كل من ينتمي إلى منطقة معينة يحمل ذات الفكر أو التصرفات.
سوريا، بوصفها بلداً للتعدد والتنوع والانفتاح، لا يمكن اختزالها في بضعة منشورات سلبية أو صور نمطية تُتداول دون تدقيق أو تمحيص،
وأضافت، إننا في أمسّ الحاجة إلى إعادة اكتشاف أنفسنا ومجتمعنا، بعيداً عن ضجيج “السوشيال ميديا” وخداعها، ولعل أول خطوة في هذا الاتجاه تبدأ بإغلاق هذه النوافذ الافتراضية- ولو مؤقتاً- والخروج إلى الميدان، ومخالطة الناس، والاستماع إليهم، ومراقبة سلوكهم الحقيقي في الحياة اليومية.
عندها فقط سندرك أن السوري لا يزال متمسكاً بالقيم الأصيلة التي تربّى عليها: الكرم، والشهامة، والحياء، ومحبّة الجار، والنخوة الإنسانية التي لا تُفرّق بين قريب وغريب.