الثورة – إيمان زرزور:
تثير قضية حفر الآبار الارتوازية جدلاً واسعاً لما تحمله من أبعاد قانونية وبيئية وأمنية واقتصادية، وهو ما دفع السلطات إلى إصدار تعاميم وتشديدات متتالية للحد من هذه الظاهرة التي باتت تشكل تهديداً مباشراً للثروة المائية.
تشير الدراسات إلى أن حفر الآبار الارتوازية بشكل عشوائي يؤدي إلى استنزاف المخزون الجوفي للمياه، الذي يُعتبر المورد الأساسي للشرب والزراعة في سوريا، وفي ظل الظروف المناخية القاسية وشح الأمطار، فإن استمرار هذه الممارسات يسرّع من وتيرة الجفاف ويهدد الأمن المائي على المدى الطويل.
وأصدرت وزارة العدل تعميماً يقضي باعتبار استخدام الحفارات في حفر الآبار دون ترخيص مسبق جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة وفق قانون تنظيم استثمار المصادر المائية، مع إمكانية مصادرة الحفارات المضبوطة باعتبارها أدوات مستخدمة في ارتكاب الجرم، كما شددت الوزارة على القضاة بعدم فك احتباس الحفارات إلا بقرار قضائي نهائي، منعاً من إعادة استخدامها في أعمال غير مشروعة.
في خطوة موازية، أصدرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية تعميماً يقضي بمنع إدخال حفارات آبار المياه إلى الأراضي السورية دون موافقة مسبقة من وزارة الطاقة، ويهدف هذا القرار إلى ضبط عمليات إدخال المعدات الثقيلة التي قد تُستغل في الحفر المخالف، وخاصة في ظل ظروف مناخية جافة تمر بها البلاد.
ويمثل الحفر غير المنظم خطراً على التوازن البيئي، حيث يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتدهور جودة التربة، مما ينعكس سلباً على الإنتاج الزراعي ويهدد الأمن الغذائي.
كما قد يؤدي الاستخدام الجائر للآبار إلى زيادة ملوحة المياه، ما يجعلها غير صالحة للشرب أو الزراعة.
لا تقتصر المخاطر على الجانب البيئي، بل تمتد لتشمل تأثيرات اجتماعية واقتصادية مباشرة، إذ إن حفر الآبار المخالفة يخلق حالة من الفوضى في استثمار الموارد، ويزيد من كلفة توفير المياه، ويضر بمصالح المزارعين الذين يعتمدون على موارد مائية مستدامة.
كما يفتح الباب أمام شبكات تهريب وتجارات غير مشروعة مرتبطة بالحفارات والمياه، ولايهدف منع حفر الآبار الارتوازية دون ترخيص فقط إلى ضبط المخالفات، بل يندرج ضمن استراتيجية وطنية لحماية الموارد المائية وضمان استدامتها، فالمياه تمثل شريان الحياة في سوريا، والمحافظة عليها تعني حماية الأمن القومي بكل أبعاده.
وبذلك، فإن التعميمات والإجراءات الصادرة مؤخراً من وزارة العدل ووزارة الطاقة والهيئة العامة للمنافذ تؤكد إدراك السلطات لحجم الخطر، وسعيها إلى فرض رقابة صارمة على عمليات الحفر والاستخدام، منعاً لانزلاق البلاد نحو أزمة مائية أعمق في المستقبل.