الثورة – همسة زغيب:
في خضم الثورة الرقمية المتسارعة، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كأحد أبرز الأدوات الواعدة لإعادة تشكيل العملية التعليمية وتطويرها بشكل غير مسبوق.
انطلاقاً من هذا الاهتمام العالمي المتزايد، نظمت “مؤسسة فيض المعرفة” (المرخصة بالقرار رقم 2820 لعام 2035) بالتعاون مع “مؤسسة الإبداع الفلسطيني الدولية” ندوة تفاعلية تحت عنوان: “الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية”، لتسليط الضوء على إمكانات هذه التقنية الثورية في جعل التعليم أكثر فاعلية وتأثيراً وتفاعلية، وتقديم رؤى عملية للمعلمين والباحثين والطلاب على حد سواء.
المفهوم والأسس التقنية
استهلت الندوة بتعريف الذكاء الاصطناعي على أنّه فرع متقدم من علوم الحاسوب، يرتكز على تحليل “البيانات الضخمة” (Big Data) بهدف تمكين الآلات من محاكاة قدرات بشرية متنوعة، أبرزها: التعلم، والاستدلال، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات المعقدة.
وتم شرح كيفية بناء نماذج الذكاء الاصطناعي (مثل ChatGPT و Deepseek و Grok و Gemini) عبر خطوات منهجية تشمل، جمع البيانات، واختيار الخوارزمية، وتدريب النموذج، والاختبار والتطبيق.. كما تم استعراض أهم فئات الخوارزميات المستخدمة (مفتوحة المصدر والمغلقة)، مع التركيز على تلك الخاصة بمعالجة اللغة الطبيعية (NLP) لفهم وتوليد النصوص البشرية، والتعرف على اللهجات والكلمات (أساس الترجمة الآلية الفورية وتلخيص النصوص).
والتعرف على الصور والصوت والوجوه ولغة الجسد، وتحويل الكلام إلى نص والعكس (مهم في أنظمة الدعم التفاعلية).. والتعلم الآلي (ML) والتعلم العميق (DL) كآليات أساسية لتمكين النماذج من “التعلم” من البيانات دون برمجة صريحة لكل سيناريو.
وأُبرزت المهارات الأساسية التي تميز الذكاء الاصطناعي التعلم لأداء مهام محددة، والمنطق لاختيار المسار الأمثل، والتصحيح الذاتي لتحسين الأداء المستمر، ما يمنحه قدرة هائلة على إنجاز أعمال معقدة بدقة وسرعة تفوق البشر في مجالات كثيرة.
تطبيقات الذكاء الفعّالة في التعليم
شرح المهندس عمر سعيد التطبيقات العملية التي تجعل الذكاء الاصطناعي شريكاً استراتيجياً في الفصول الدراسية والجامعات: للمعلمين والمدرسين وذلك بإعداد الدروس وتنظيمها وتوليد أفكار للدروس، تنظيم المحتوى حسب المستويات، إنشاء خطط تعليمية مخصصة وإنشاء محتوى تفاعلي بتصميم قصص تفاعلية، أنشطة تعليمية، محاكاة واقعية، وإنشاء مواد بصرية “صور، رسوم بيانية” توضيحية لجذب انتباه الطلاب وتوليد وتصحيح التقييمات و اقتراح أسئلة اختبارات وواجبات متنوعة، تصحيح إجابات موضوعية، وتحليل أخطاء الطلاب لتقديم تغذية راجعة فورية، وتنظيم بيانات الطلاب وذلك بتحليل أداء الطلاب بشكل جماعي وفردي لتحديد نقاط القوة والضعف وتقديم توصيات مخصصة، مع شرح المفاهيم الصعبة وتقديم شروحات بديلة ومبسطة للمفاهيم المعقدة باستخدام أمثلة متنوعة، ودعم البحث العلمي والمساعدة في مراجعة الأدبيات، اقتراح مصادر، تلخيص الأبحاث، وتحليل البيانات البحثية.
أما للطلاب “الثانوي والجامعي” فهناك المساعد الشخصي للتعلم “Tutor” من خلال تقديم إجابات فورية على الأسئلة، شرح خطوات حل المسائل، وتوفير تمارين تدريبية مخصصة للمستوى.
وكذلك تعلم اللغات بمحادثات تفاعلية، تصحيح القواعد والنطق، ترجمة فورية، وإنشاء تمارين مخصصة، والتلخيص والفهم للدروس الطويلة، استخراج الأفكار الرئيسية، وتحويل النصوص إلى خرائط ذهنية “Mind Maps” لتنظيم الأفكار.
والإبداع والبحث بالمساعدة في توليد أفكار للمشاريع، صياغة العروض، وتنظيم المراجع البحثية، وتم عرض نماذج التوليد “مثل ChatGPT” من خلال التركيز على دور هذه النماذج في دعم عناصر العملية التعليمية كافة عبر توليد نصوص، أفكار، شروحات، وتمارين بشكل خلّاق، مع التأكيد على ضرورة استخدامها بوعي.
توازن ضروري
اختتمت الندوة باستشراف مستقبل حافل بالذكاء الاصطناعي في التعليم، إذ تسعى الحكومات والمؤسسات التعليمية عالمياً لتبني تطبيقاته ونماذجه لتحسين مخرجات التعليم بجميع جوانبه من خلال التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية عابرة، بل هو قوة تحويلية قادرة على إثراء العملية التعليمية وجعلها أكثر تخصيصاً وتفاعلية وكفاءة، ولتحقيق أقصى استفادة منه يتطلب تبني مقاربة متوازنة تجمع بين الابتكار والوعي بالتحديات الأخلاقية والمجتمعية لبناء كفاءات المعلمين والطلاب إلى جانب وضع أطر تنظيمية رصينة تضمن العدالة والشفافية وحماية الخصوصية لاستشراف مستقبل تعليمي مزدهر في ظل الثورة الرقمية المستمرة ونجاح دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم يعتمد على توظيف هذه التقنية لخدمة الأهداف الإنسانية النبيلة للتعلم والمعرفة.