الثورة – إيمان زرزور
تُعد محافظة إدلب من أكثر المحافظات السورية تنوعاً من حيث الطوائف والمذاهب، إذ تضم المسيحيين والدروز والشيعة إلى جانب الغالبية السنية، وقد تمركز أبناء الطائفة الدرزية في نحو 15 قرية بجبل السماق في ريف إدلب الغربي، حيث اتخذوا منذ بداية الحراك الثوري موقفاً محايداً، نأوا فيه بأنفسهم عن الانخراط في الحرب لمصلحة أي طرف، ورغم هذا الحياد، لم يسلموا من قصف قوات الأسد وحليفه الروسي.
فلم يشارك أبناء القرى الدرزية في المظاهرات أو القتال ضد نظام الأسد، وفي الوقت نفسه لم ينخرطوا في عملياته الأمنية والعسكرية ضد أبناء إدلب، على عكس شيعة بلدتي كفريا والفوعة الذين وقفوا مع النظام.
وقد ساعد هذا الموقف المحايد على تجنيب القرى الدرزية استهداف الفصائل العسكرية التي سيطرت على المنطقة، رغم أن الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت آلاف الشباب إلى النزوح نحو محافظات أخرى أو السفر خارج البلاد بحثاً عن العمل.
موقف متمايز عن أحداث السويداء
مع تصاعد المشهد المتأزم في السويداء، حيث رُفعت شعارات تدعو إلى الانفصال وتقرير المصير وحتى الاستعانة بالاحتلال الإسرائيلي، كان لمجتمع جبل السماق موقف مغاير، فبينما دعم أبناء إدلب من الدروز حراك السويداء الشعبي ضد الأسد في مراحل سابقة، فإنهم هذه المرة عبّروا عن رفضهم القاطع لمشاريع الانفصال وأي مساعٍ للتدخل الإسرائيلي.
فقد شهدت قرى جبل السماق في 16 آب/ أغسطس وقفة شارك فيها العشرات من الأهالي والوجهاء، أكدوا خلالها انتماءهم الوطني ورفضهم لكل محاولات التقسيم، مجددين التزامهم بالوحدة السورية تحت قيادة مركزية واحدة.. وكانت رسالتهم واضحة: الانقسام مرفوض، والهوية الوطنية خط أحمر لا يمكن المساس به.
دلالات الموقف
تحمل وقفة جبل السماق جملة من الدلالات السياسية والوطنية، أبرزها “رفض مشاريع الانفصال” من خلال التأكيد على أن الدروز ليسوا كتلة متجانسة تتبنى خطاب الانفصال، وأن الانتماء الوطني هو خيارهم الثابت، كذلك “التصدي للتدخل الإسرائيلي” عبر رفض أي دعم أو وصاية خارجية، وإعلان أن إسرائيل ليست مرجعية لأي مكوّن وطني.
كذلك تؤكد على التمسك بالوحدة الوطنية، باعتبار أن الهوية الجامعة أقوى من أي أزمة معيشية أو سياسية، ومواجهة خطاب الفتنة والانقسام، وهي رسالة للحكومة والمجتمع الدولي من خلال إظهار أن مشروع الانفصال لا يحظى بقاعدة شعبية حقيقية، وأن الدروز في إدلب جزء لا يتجزأ من الدولة السورية.
كما أن التظاهرة والموقف يعتبر رداً مباشراً على أحداث السويداء فالوقفة جاءت كخطاب بديل يُظهر أن الصوت الغالب للدروز خارج السويداء هو صوت الوحدة والانتماء الوطني، وكذلك فهي تساهم في تعزيز التلاحم الوطني عبر المشاركة الرسمية والشعبية في الوقفة التي أظهرت أن التنوع الطائفي والمجتمعي يمكن أن يكون مصدر قوة لا ضعف، متى ما التزم الجميع بخيار الدولة الوطنية.
وشكّلت وقفة الدروز في جبل السماق إعلاناً صريحاً أن مشاريع الانفصال والتدخل الإسرائيلي لا تمثل الطائفة الدرزية في سوريا، بل إن الوحدة الوطنية هي الخيار الوحيد لمستقبل آمن ومستقر.. وجاءت هذه الرسالة في توقيت حساس، لتؤكد أن أصوات الوحدة والانتماء لا تزال الأقوى، مهما حاولت بعض الأطراف استغلال الأزمات الداخلية لفرض أجندات خارجية.