الثورة ـ ترجمة ختام أحمد:
إن أوقاتنا مليئة بالتحديات، ويتجلى هذا بشكل خاص في الشرق الأوسط حيث تكافح الولايات المتحدة للحفاظ على سيطرتها على هذه المنطقة الغنية والمعقدة.
لقد بذل زعماء “إسرائيل” المتوحشون، بدعم من الولايات المتحدة، قصارى جهدهم لمحو الفلسطينيين وكل تاريخ فلسطين.
في غزة، قتلت “إسرائيل” أكثر من 43972 شخصاً، وأصابت أكثر من 104408 آخرين، وتركت القطاع في حالة من الدمار. كما قُتل ما لا يقل عن 17400 طفل في غزة ولبنان.
لقد لقي أكثر من 200 طفل مصرعهم، أي بمعدل ثلاثة أطفال يومياً، منذ أن بدأت “إسرائيل” حملتها الجوية قبل شهرين.
إن نظام “تل أبيب” يواصل جرائمه المتواصلة ضد الإنسانية دون هوادة. وقد قدم قادته للعالم ما أطلق عليه الرومان “الخنجر المقدس”.
لم يعد بوسع المجتمع الدولي أن يظل مكتوف الأيدي، فمصير الفلسطينيين أصبح الآن مرتبطا بمصير العدالة العالمية. وقد عبر رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم عن هذا الشعور بشكل صحيح في القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض بالمملكة العربية السعودية في الحادي عشر من تشرين الثاني 2024:
“إن إسرائيل لم تعد تنتمي إلى المجتمع الدولي المتحضر، ووحشيتها لا تتطلب أقل من اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية ليس فقط الشرق الأوسط بل والنظام العالمي بأكمله… إن شدة هجوم “إسرائيل” على المبادئ الأساسية للإنسانية في الميثاق الدولي تستحق النظر في رد أكثر جدية. ومن أجل ليس فقط الفلسطينيين بل والإنسانية نفسها، يتعين علينا معاقبة “إسرائيل” وردعها عن انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي والأعراف الدولية، وبالتالي، يتعين علينا أن نبني إجماعاً نحو تعليق عضوية “إسرائيل” في الأمم المتحدة أو حتى طردها منها”.
إن “إسرائيل” ليست “دولة طبيعية” ولم تكن كذلك قط. إن العنصرية والتفوق المتأصلين في نسيجها لهما جذور عميقة في أيديولوجية الصهيونية ــ الحركة القومية اليهودية التي بلغت ذروتها بإقامة “إسرائيل” بالقوة على الأراضي الفلسطينية في عام 1948 ــ وفي علاقتها بالإمبريالية الغربية.
لقد ساعدت الولايات المتحدة، باعتبارها امتداداً لإمبراطوريتها، “إسرائيل” على أن تصبح القوة المستعبدة والمفترسة الإقليمية التي هي عليها اليوم. إن عدم اكتراث واشنطن بالموت والدمار الذي ألحقته “إسرائيل” بالفلسطينيين واللبنانيين يشكل شهادة على طبيعتها المفترسة والعنصرية المماثلة.
بالنسبة لواشنطن، يبدو أن أرواح العرب والمسلمين قابلة للتضحية بها. وقد وثق باحثون في معهد واتسون التابع لجامعة براون هذا التجاهل في ” مشروع تكلفة الحرب “.
ووفقاً للتقرير، أسفرت حروب أميركا بعد 11 أيلول (أفغانستان والعراق وباكستان وسورية واليمن والصومال) عن مقتل ما لا يقل عن 4.5 إلى 4.7 مليون شخص، بما في ذلك العسكريون والمدنيون.
إن الحروب التي تشنها الولايات المتحدة و”إسرائيل” في الشرق الأوسط لم تقتل وتشوه ملايين البشر فحسب، بل ساهمت أيضا في تدهور الثقافات السياسية والاقتصادات والرعاية الصحية، وتسببت في تلوث بيئي وأضرار طويلة الأمد.
في كانون الثاني 2021، قال الرئيس المنتخب حديثاً جو بايدن للأمة إنه يطمح إلى “استعادة روح أمريكا”. ويغادر منصبه في عام 2025 تاركاً أمريكا في حالة يرثى لها.
اليوم، عادت آثار القوة الغاشمة والعنف التي خلفتها أميركا ــ من فيتنام إلى غزة ــ إلى موطنها الأصلي مع انتخاب نظام ترامب الذي يقوم على الشعبوية اليمينية، والاستبداد، والتطرف المحافظ، والتفوق العنصري، وكراهية الأجانب، والمشاعر المعادية للهجرة.
في العشرين من كانون الثاني 2025، يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه بهدف ” إنهاء المهمة ” في غزة، كما قال؛ وهي المهمة التي أتاحها بايدن بفضل تعاونه مع نظام عازم على ترسيخ التفوق الصهيوني، وإبادة الفلسطينيين وضم الضفة الغربية بالكامل. وتنذر أجندة ترامب، فيما يتصل بالشرق الأوسط، بأن تكون مثالاً على سياسة بايدن المروعة التي تم تطبيقها إلى أقصى حد.
إن طاقم الشخصيات التي اختارها ترامب لتولي مسؤولية السياسة الخارجية الأميركية، هم، مثل نظرائهم في نظام بايدن، من صقور الحرب المؤيدين لإسرائيل، والملتزمين بالفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني والاحتلال، ويبدو أنهم ملتزمون بضم الضفة الغربية؛ على الرغم من أن نواياهم الوحشية مكشوفة.
كتب مايك والز (جمهوري من فلوريدا) الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل، في مقال له في مجلة الإيكونوميست : “ينبغي للإدارة القادمة، كما زعم ترامب، أن تدع “إسرائيل” تنهي مهمتها وتنهيها بسرعة ضد حماس”. ودعت مرشحته لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك (جمهوري من نيويورك)، في خطاب أمام الكنيست الإسرائيلي، إلى محو المسؤولين عن أحداث السابع من تشرين الأول “عن وجه الأرض”.
وأعلن حاكم ولاية أركنساس السابق والمسيحي الصهيوني مايك هاكابي، الذي رشحه ترامب لمنصب السفير لدى “إسرائيل”، أن الفلسطينيين و”المستوطنات” والاحتلال غير موجودين، وأن “إسرائيل” يجب أن تضم الضفة الغربية. وفي خدمة الإمبراطورية الأميركية ومعتقداته الدينية، يبدو هاكابي، مثل أغلب الإسرائيليين، أعمى عمداً عن وصايا الكتاب المقدس العبري ــ لا تقتل؛ لا تسرق؛ ولا تشتهي.
ولم يُبدِ بايدن وترامب أي اهتمام بمعاناة الفلسطينيين. ورغم أن بايدن كان لديه القدرة على إنهاء المذبحة، فإنه بدلاً من ذلك شجعها. ورغم أن ترامب قال إنه يريد وقف الحروب، فإن صقور الحرب هم من سيستمعون إليه.
لقد تجاوزت “إسرائيل”، بدعم من الولايات المتحدة، كل الحدود، وتجاوزت المنطق، وتجاوزت الإنسانية، وفلسطين تشكل اختباراً لأخلاقنا.
المصدر – كاونتر بانش