ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
رغم هول ما مارسته الأهواء الشخصية لمعارضين – اصطلاحاً حيناً، وتجاوزاً في كثير من الأحيان- وأوهام أصحابها على مدى سنوات الأزمة، لم نخض يوماً في جوانبها، ولم نقم لها اعتباراً، بل لم نلجأ إلى الحديث بلغة الرد،
ولم نمارس على الإطلاق في أي لحظة من اللحظات دور من يقتفي المقولات على كثرتها وسرعة تفشي أمراضها وانتقال عدواها.
لكن ما تحدث به ما يسمى «منسق» هيئة التنسيق «الوطنية» عن دور للقوى الإقليمية في تحديد مستقبل سورية، لا يستوي بأي حال من الأحوال مع كل ما مضى بعد أن أخرجت مفرداته في الآونة الأخيرة إلى العلن ما كان ينضح به الإناء منذ زمن، وما فاض عن الحاجة على مدى أشهر وسنوات الأزمة، وهو يحاكي تقلبات مشهد أغوته إغراءات الوعود واستسلم لقارب التمنيات.
لسنا بوارد تعداد ما يجول في أفق الأحاديث والمسميات المختلفة التي يجهد هو وسواه لاجتراحها من خواء سياسي وعقم فكري ووهن بحكم العمر، خصوصاً حين يقارب أرذله، حيث مقولة «لكلٍّ من اسمه نصيب» لم تنفع لدى الكثيرين من أمثاله، ولم تجدِ التسميات الاعتبارية والشخصية نفعاً في التغطية على ما يطفو من بقع داكنة، في ظل انحدار وتسويف وحالة من الهوس في تقديم شهادات حسن سلوك للآخر، حتى لو كان من بوابة البحث عن مقعد احتياطي في عربة تتدحرج، وربما وجدت «الناصرية» معه حالة من الزوغان التي أشعرتها بالحرج السياسي، وربما أكثر من ذلك بعد أن أخرجتها ادعاءاته بالانتماء إليها من جلدتها حين فاحت أهواؤه الإخوانية في مرافعاته السياسية والإعلامية.
لا ننكر أن المعادلات الناشئة على هوامش المشهد السياسي، استهوت الكثير من محترفي الانتفاع السياسي، ولو جاؤوا تحت تسمية معارضة من الداخل للعب خارج سياق المحاكاة المنطقية للأشياء، مدفوعين بكم لا ينتهي من الوهم الشخصي والاعتباري، من منظور أن التنطع لما هو أكبر من قدرتهم وحجمهم السياسي والذاتي يمكن له أن يزيد في بورصة قبوله لدى الآخر، خصوصاً حين يغمز من قناة التفريط بالثوابت الوطنية، ويجاهر بقبوله المس بقرار السوريين ومصادرة خيارهم، أو حين يغرف من وعود بائدة تجاوزها الزمن والتطورات، مسترجعاً لغة الفتاوى لدى أقرانه، ومن سبقه إلى موائد الرهان على الآخرين.
بهذه اللغة يحاول رئيس هيئة التنسيق أن يجاور يمين الافتراض الغربي بشمال الهواجس والأمنيات الإقليمية، فينتج مساومة إضافية غير مطروقة لدى من سبقه في رهان الوهم على العامل الخارجي، حتى لو كانت هذه المرة من البوابة الإقليمية التي يريدها أن تكون شريكاً في لعبة شد الحبال بانتظار الولوج في عربة التسويات المرفوضة شكلاً ومضموناً حين تمس بالسيادة وبالقرار الوطني.
وتتردد بين الفينة والأخرى على ألسنته مقولات ومفاهيم ومصطلحات تعود به إلى الخلط، فيتوهم أن بمقدوره أن يسوق في استنباط استنتاجات تكون على مقاسه، وأن يرسم معطيات تتماشى مع تمنياته، فيعيد اللغو في القاع ذاته، مع إضافات لا تخرج عن السياق الطبيعي فحسب، بل تغوص في مستنقع الحسابات الشخصية وأهواء المقاسات الخاطئة، والمعادلات المقلوبة!!
كثيرة هي النقاط التي تُسجل اليوم على أصحابها، في ظل تقلبات تقود بورصة الأسماء، وتطفو على السطح مغالاة طالبي السلطة تحت عناوين المعارضة، فتفيض عن المقدرة على تلمس الفارق بين الحل السياسي واللهو على مائدة الدول الإقليمية.
ربما.. لم نعتد على شخصنة الأمور، بل في أغلب الأحيان، كنا نهرب من أي مقاربة قد تتقاطع معها، ونحاول – ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً – مجانبتها، لكن حين تخرج بعض المواقف عن سياقها الطبيعي، وتصبح على تنافر حاد مع البديهيات وأولوياتها، وعلى تضاد مع أبسط المسلمات ومعطياتها، يصبح الحديث لزاماً، وفي بعضها ضرورة تقتضيها حالة التصويب، وتتطلبها معايرة المعطيات من منطوق الحقيقة رغم ما يعتريها أحياناً من تشويه متعمد.
قد لا تكون المرة الأولى التي تحاول فيها بعض القوى التي أعجبتها تسمية المعارضة، وساقت فيها، وتوهمت أنها كافية لتسوق ما تقوله من باب الوهم بقراءة بعض الظواهر الطافية، أو على قاعدة الوعود التي تتناغم مع تمنياتها وأضغاث أحلامها، فترسم افتراضياً خطاً يعيد مقاربة الأشياء بمنطق مقلوب يرتد فيه على أبسط الحقائق، ويقدم صيغاً من المواربة السياسية التي تحاول أن تستمد مفرداتها من قاع آسن استمرأت الغوص فيه.
ليس من باب التذكير ولا الذكرى، وأغلبهم لا تنفع معه الذكرى، بل من باب تأكيد المؤكد وحسم المحسوم، إن من يحدد مستقبل سورية ونظامها السياسي, وكل ما يتعلق بخياراتهم الوطنية هم السوريون، والسوريون وحدهم، وليس أحداً سواهم، ولا نعتقد أن هناك حاجة لكي نضيف.
a.ka667@yahoo.com
المصدر: صحيفة الثورة