كأنما فتحت أبوابها السبع على مصراعيها.. في دمشق حراك دبلوماسي وسياسي عربي وعالمي لا يهدأ بعد أن كان ثقيلاً خجولاً متردداً في قرع الأبواب، اليوم يدخل بخطوات متسارعة مؤكداً أن سقوط النظام ليس مجرد تغيير داخلي في سوريا، هو فرصة للسلام في الشرق الأوسط كله، كما وصفته الأقلام والمنابر العالمية، فسوريا تتربع في قلب الخارطة السياسية للمنطقة وتوازنها يعني توازن الإقليم والجيران، فهو استقرار للبنان وإزالة للقلق في الأردن وطمأنة للتوتر العراقي والتركي، وهو أيضاً أمنية وثقتها الجامعة العربية في بياناتها خلال عقد مضى وبدأت تتحقق اليوم، فلا مصلحة لأحد بعودة الخطر السوري مرة أخرى، لذلك سارع العمق العربي لاحتضانها وسارع الغرب أيضاً من بوابة الدعم الدولي وليس التدخل الخارجي كما كان سابقاً إيرانياً وروسياً.
تغير الزمن السياسي كله مع السقوط المدوي لنظام الأسد، فما عادت سوريا مساحة للمبارزة الإقليمية والعالمية.. وما عادت قريبة إلى أصابع التدخلات الخارجية.. هي بعيدة اليوم عن كل كنية سياسية حاولت القبض على قرارها، فلم تعد (سوريا الإيرانية) بل بات هذا المصطلح خيالاً يؤلم جنرالات الحرس الثوري ويذكر العالم بطهران التي استغلت طريق القدس للوصول إلى النووي سورياً، أيضاً لن تكون (سوريا الروسية) يوم باتت وسادة القيصر الروسي خالية من حلم المياه الدافئة التي سبحت فيه موسكو إلى سورية فوجدت نفسها في طوفان الناتو على حدودها في أوكرانيا.. سوريا اليوم هي سوريا الطبيعية فقط ودرس السنوات التي مرت لقن الجميع أن أي رسم لملامح غير طبيعية فيها قد يشوه المنطقة كلها وخاصة مع عودة القلق الدولي من مشاريع التقسيم وفتنته.
سوريا لا تقبل القسمة في الحساب السياسي، فهي معادلة الجمع التاريخية بين كل أبنائها وضمن عمقها العربي وإن كان هناك ما يقدمه الغرب لها فهو دعمها لتخطو أكبر الخطوات نحو توازنها برفع العقوبات عن معدتها الاقتصادية، وطي خيم اللجوء وفتح دروب العودة إلى البيوت دونما الانتظار أكثر، فما عاد السوريون يحتملون أكثر، وما عادت المنطقة قادرة على تأجيل استقرارها أكثر.
لذلك تبدو خطوة الجامعة العربية بزيارة دمشق تعبيراً عن قناعة العرب بأهمية عودة سوريا الدور المتوازن في القرار العربي، وقد يبدو تأكيد الأمين العام المساعد في الجامعة العربية حسام زكي على ضرورة رفع العقوبات انعكاساً لمساع جدية في الجامعة تتلمس الوجع السوري وتحدد الأولويات بضرورة رفع العقوبات عن الشعب السوي، ما يشير إلى دقة بوصلة العمل العربي في هذه المرحلة تجاه السوريين.
فكل خطوة تجاه سوريا تبقى ناقصة إن لم تقترن برفع العقوبات الاقتصادية، وقد يعكس أيضاً مؤتمر باريس المقبل في الثالث عشر من شباط حول سوريا، إدراك الغرب لهذه الحقيقة ولحقيقة حجم الخراب الذي تتركه قيود العقوبات الاقتصاديه على الشعوب حين يستهدف الجميع دون تمييز بين النظام والشعب.. كما في الحالة السورية، حيث سقط النظام وبقيت العقوبات الاقتصادية حجر عثرة في درب القيادة الجديدة نحو إضاءة البيت السوري وتدفئته، فمعركة السوريين كانت طويلة ومؤلمة ولا أحد يملك ترف الانتظار مجدداً حتى لو كان اختباراً ومراقبة من الغرب لأداء القيادة السورية الجديدة، فمن خلع نظام العبث بالمنطقة كلها نجح في كل الاختبارات وبدرجة خلق فرصة لسلام المنطقة كلها.
#صحيفة_الثورة
