الثورة – هفاف ميهوب:
من يقرأ كتاب “الديكاميرون” الذي يُعتبر من أهمّ وأشهر الأعمال التي ختمَ بها الكاتب والشّاعر الإيطالي “جيوفاني بوكاشيو” أعماله.. من يقرأ هذا الكتاب، المُؤلّف من مائة قصّة شعبية، يلاحظ مقدار تأثّر مؤلفه بكتاب “ألف ليلة وليلة” واقتباسه منه، بل واستعارته للكثير من قصصه.
نعم، يشبه هذا الكتاب “ألف ليلة وليلة”.. يبدأ الشبه في الفكرة التي ألهمت مجموعة من الشباب والصبايا، اللجوءِ إلى سردِ القصص المسلّية خوفاً وهرباً من الموت، ولكن ليس الموت بسيفِ “شهريار” الذي هربت منه “شهرزاد”، وإنما الموتُ بوباءِ الطاعون الأسود الذي كان يجتاح إيطاليا وأوروبا، والذي وصف “بوكاشيو” فكرة الهروب منه:
“عصبةٌ مؤلّفة من سبعِ شاباتٍ وثلاث شباب، اتّفقوا على اتّقاء الوباءِ بالاعتزالِ في قصرٍ ريفيّ جميل، ثمّ فكّروا بأن يشغلوا أنفسهم وأيامهم، بسردِ الحكاياتِ المسلّية، على أن يُتوّج كلّ واحدٍ منهم، كملكٍ ليومٍ يختار له موضوعاً لقصصٍ، على كلّ فردٍ منهم أن يروي واحدة منها، ودون أن يخرج عن مضمون الموضوع الذي اختاره الملك المتوّج..”.
هذا عن تشابه الفكرة، أما عن استعارة القصص، فكانت أوّل قصّة في “الديكاميرون” هي ذاتها التي كانت “شهرزاد” قد روتها، في إحدى الحكايا التي عبّرت بها عن كيدِ ودهاءِ النساءِ..
تتوالى قصص “الديكاميرون” التي تحملُ من الطرافةِ والبهجةِ والامتاع، والخيال والمفاجأة والعشق والخيانة والدهاء والحيلة، ما حملتهُ قصص “ألف ليلةٍ وليلة”.. ماحملته حتى في شعبيّتها وأسماء أبطالها وبطلاتها، وأيضاً مرحها وهزليّتها وسخريتها، ومن الملوك والتجار والوجهاء والعبيدُ والعامة وغيرهم، ممن كشف “بوكاشيو” عيوبهم ودلّ على نقائصهم.. كشفها بطريقةٍ وإن كانت طريفة وخيالية مُبهرة، إلا أنها وبشهادةِ كلّ من قرأها، لا يمكن أن ترقى في مكانتها وأهميتها، إلى المكانة التي ترقى إليها، حكايا “ألف ليلة وليلة” بلياليها العربية الساحرة.
صحيفة – الثورة
