الثورة – ناصر منذر:
في خطوة تعكس الرغبة الأوروبية بمد يد العون لسوريا في هذه المرحلة، ولكنها مرهونة ببعض الشروط التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي ضرورية نحو الرفع الكامل للعقوبات، بدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعهم في بروكسل اليوم، وعلى أجندة أعمالهم البحث في تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، بعد سقوط النظام المخلوع، حيث من المقرر إجراء مناقشات مكثفة حول الآليات والتفاصيل المرتبطة باتخاذ قرار برفع جزئي عن تلك العقوبات، وقد حسمت فرنسا قرارها برفع بعض تلك العقوبات، فيما تتجه باقي الدول الأعضاء في الاتحاد للإعلان عن تخفيف تدريجي، وفق ما أعلنته الممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، حيث قالت قبيل الاجتماع إنها تتوقع اتخاذ قرار سياسي ووضع خارطة طريق بشأن تخفيف العقوبات، مشيرة إلى أن الإدارة السورية الجديدة اتخذت خطوات صحيحة لكنها تحتاج بعض الوقت لتنفيذها. وذكرت أن الاتحاد يتبع سياسة الخطوة خطوة في التعامل مع الوضع في سوريا.
سببها سياسات النظام البائد
لطالما ارتبطت العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، بسياسات النظام البائد، بسبب قمعه للاحتجاجات السلمية التي اندلعت عام 2011 وأدى ذلك إلى إشعال حرب دامية حصدت أرواح عشرات آلاف السوريين، فجاءت تلك العقوبات رداً على انتهاكاته الجسيمة التي ارتكبها بحق السوريين على مختلف انتماءاتهم، ومنذ بداية الأزمة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزماً واسعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية، وكان غرضها الضغط على النظام المخلوع ليغير نهجه وسياساته القمعية، فيما كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على نظام الأسد منذ العام 1979 على خلفية تصنيف سوريا ” دولة راعية للإرهاب”، وأضافت حزمة عقوبات أخرى عام 2004.
عقوبات واسعة
الاتحاد الأوروبي، وباعتباره جزءاً من المنظمات والكيانات الدولية التي فرضت العقوبات على النظام المخلوع، سارع لفرض العديد من تلك العقوبات منذ عام ٢٠١١ شملت هذه العقوبات بشكل عام، عقوبات اقتصادية متمثلة بالقيود المفروضة على استيراد أو تصدير سلع وخدمات معينة، كالعقوبات على المنتجات النفطية، وأيضاً عقوبات مالية تمثلت بتجميد الأموال والأصول وحظر التمويل، كذلك عقوبات تتعلق بحركة الأشخاص كفرض حظر سفر على العديد من المسؤولين ورجال الأعمال السوريين ومنعهم من دخول العديد من الدول، بالإضافة إلى العقوبات الدبلوماسية، حيث قامت العديد من الدول، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا.
ووسع الاتحاد نطاق عقوباته في العام 2012، لتشمل قطاعات الطاقة والأسلحة والتمويل، فضلاً عن قطاع التعدين. كما فرض حظراً على تجارة السلع الفاخرة مع سوريا، بالإضافة إلى تعزيز القيود على القطاعات الأمنية وتكنولوجيا الاتصالات. إلى جانب تجميد أصول 120 شخصية ومؤسسة سورية، بما في ذلك الرئيس المخلوع بشار الأسد والبنك المركزي السوري، ومنعهم من السفر إلى دول التكتل. ليعلن الاتحاد بعد ذلك في عام 2021 أن عقوباته تلك ستبقى قائمة إلى حين حدوث تحول سياسي في سوريا.
زوال المبررات
بعد سقوط النظام البائد، بذلت الإدارة الجديدة جهوداً حثيثة في العمل على إقناع الدول الغربية بضرورة رفع عقوباتها بشكل كامل، على اعتبار أن مبررات استمرارها لم تعد موجودة، بفعل سقوط النظام المخلوع، وأوضح القائد أحمد الشرع في هذا السياق، أن هذه العقوبات “كانت مفروضة على الجلاد الذي رحل الآن”، وأن رفعها ضروري لتسهيل عودة اللاجئين السوريين الذين فروا بسبب الحرب، ولتمكين إعادة بناء البلاد. فيما أكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني، من منتدى “دافوس” الاقتصادي بأن العقوبات هي التحدي الأكبر أمام سوريا، وأن رفعها هو أساس الاستقرار فيها.
وسبق للخارجية السورية أن عبرت في وقت سابق على لسان الشيباني، ترحيبها بالإعفاءات والاستثناءات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا التي صدرت عن الإدارة الأمريكية”. وقالت: حققنا هذا التقدم نتيجة الجلسات المكثفة التي عقدناها مؤخراً، ونشكر كل الكوادر السورية الرائعة التي بذلت جهداً كبيراً في هذا الصدد.
وأضافت: أن العقوبات الاقتصادية باتت تستهدف الشعب السوري بعد زوال السبب الذي وُجدت من أجله، ورفعها بشكل كامل بات ضرورياً لدفع عجلة التعافي في سوريا، وتحقيق الاستقرار والازدهار.
شروط أوروبية
وضمن سلسلة الزيارات التي أجرتها وفود أجنبية إلى دمشق خلال الآونة الأخيرة، تحدث المسؤولون الأوروبيون عن رغبة بلادهم بمد يد العون للشعب السوري، واستعدادهم لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل تدريجي، وربط البعض منهم هذه الرغبة، بسلسلة إجراءات يتوجب على القيادة الجديدة اتخاذها على الأرض.
وسبق لـ كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وأكدت بأن أوروبا سوف تتبع نهج «خطوة بخطوة» فيما يتعلق بالتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، والرفع التدريجي للعقوبات، وهذا في الواقع يتناقض مع الهدف الأوروبي ذاته، من وراء سعي الاتحاد لرفع العقوبات، والمتمثل (بإجراء إصلاحات شاملة، وتشكيل حكومة وطنية جامعة، ونبذ التطرف، واحترام الأقليات وحقوق الإنسان)، وفق الشروط الأوروبية المطروحة، علماً أن الإدارة الجديدة تسير بخطوات سريعة بهذا الاتجاه، قياساً مع العمر القصير لانتصار الثورة، وقد وضعت تلك القضايا على سلم أولوياتها خلال هذه المرحلة، كونها تخدم المصلحة الوطنية العليا، قبل أي اعتبار آخر.
فرنسا تحسم قرارها
قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المنعقد في بروكسل اليوم، سارع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو للإعلان عن قرار بلاده رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا, وفق ما نقلته وكالة رويترز، وقال في تصريح: قررنا رفع بعض العقوبات على سوريا التي تتعلق بقطاعات الطاقة والنقل والمؤسسات المالية، باعتبار أنها تُعيق اليوم الاستقرار الاقتصادي للبلاد وبدء عملية إعادة الإعمار.
وأضاف أن هناك عقوبات أخرى نناقشها مع شركائنا الأوروبيين ويمكن رفعها ولكن ذلك يعتمد على السرعة التي تؤخذ بها توقعاتنا لسوريا. معتبراً أنه في مقابل ذلك، يتوجب ضمان انتقال سياسي جامع لكل السوريين.
الممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، قالت من جانبها إنها تتوقع اتخاذ قرار سياسي ووضع خارطة طريق بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على قطاعات ستمهد الطريق لإعادة الإعمار.
وأفادت بأن الإدارة السورية الجديدة اتخذت خطوات صحيحة لكنها تحتاج بعض الوقت لتنفيذها. وذكرت أن الاتحاد يتبع سياسية الخطوة خطوة في التعامل مع الوضع في سوريا.
وأكدت أن إعادة إعمار سوريا ستبدأ بتخفيف العقوبات على القطاعات الضرورية. كما أعلنت استعداد الاتحاد الأوروبي لافتتاح بعثته في العاصمة دمشق بكامل طاقمها.
وثيقة أوروبية
وكانت وكالة رويترز، قد ذكرت أمس عشية الاجتماع الأوروبي نقلاً عن ثلاثة دبلوماسيين ووثيقة اطلعت عليها، أن الاتحاد الأوروبي ربما يعلق قريباً العقوبات المفروضة على سوريا فيما يتعلق بقطاعي الطاقة والنقل، لكن لم يتم الاتفاق بعد على ما إذا كان تخفيف القيود سيشمل كذلك تلك المفروضة على المعاملات المالية.
وبحسب وثيقة الاتحاد الأوروبي التي اطلعت عليها الوكالة، فقد أوصى دبلوماسيون من الدول الأعضاء في الاتحاد البالغ عددها 27 دولة باتخاذ إجراءات سريعة نحو تعليق القيود “في القطاعات الضرورية للاستقرار الاقتصادي والشروع في إعادة بناء الاقتصاد في سوريا، مثل تلك المتعلقة بالطاقة والنقل”.
كما أوصى الدبلوماسيون، “بتقييم خيارات إعادة فتح العلاقات المصرفية والاستثمارية مع سوريا”. وأشاروا إلى أن الإجراءات التقييدية التي فرضها الاتحاد الأوروبي سيتم تخفيفها بطريقة تدريجية وقابلة للمراجعة، مع تقييم منتظم لما إذا كانت الظروف في سوريا تسمح بتعليق المزيد من العقوبات”، مشيرين إلى الحاجة إلى احترام الحريات الأساسية وأن تشمل العملية الانتقالية الجميع.