الثورة – أسماء الفريح:
عقب قرار إحالة عشرات القضاة ممن عملوا في “محكمة الإرهاب” التابعة للنظام البائد إلى التحقيق, أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عقوبة الإعدام استخدمت من قبل النظام أداة قمع سياسي منذ عام 2011, مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن إصدار تلك الأحكام.
وفي تقرير لها بعنوان “عقوبة الإعدام في القوانين السورية واستغلالها من قبل نظام الأسد للقضاء على معارضيه“، نشر على موقعها الالكتروني، ذكرت الشبكة أنه بدلاً من أن تقتصر عقوبة الإعدام على الجرائم الجنائية، وظّفها النظام لترهيب المجتمع، وتعزيز قبضته الأمنية، والتخلص من معارضيه دون محاكمات عادلة.
الإعدام وسيلة للقضاء على الخصوم السياسيين
الشبكة تابعت أنَّ عقوبة الإعدام لم تكن وسيلة لتحقيق العدالة، بل أداة للقضاء على الخصوم السياسيين بقرارات صادرة عن السلطة التنفيذية، التي تهيمن بالكامل على النظام القضائي, كما أنَّ القوانين السورية المتعلقة بالإعدام، مثل قانون الإرهاب لعام 2012، توسعت في إدراج جرائم غير مصنّفة ضمن الجرائم الأشد خطورة وفق المعايير الدولية، ما مكّن النظام من استخدامها بشكل تعسفي لترسيخ حكمه.
محاكم استثنائية لتنفيذ الإعدام
وقالت إن نظام الأسد اعتمد على عدة محاكم “استثنائية” لإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، أبرزها: محكمة الميدان العسكرية التي أُنشئت عام 1968 وكانت مسؤولة عن تنفيذ أحكام إعدام فورية بحقِّ المعارضين, في غياب أي ضمانات قانونية أو حق الدفاع, إضافة إلى “محكمة الإرهاب” التي أُنشئت عام 2012، وأصبحت أداة رئيسة لتصفية المعارضين السياسيين حيث أصدرت مئات أحكام الإعدام بتهم فضفاضة تتعلق بـ “الإرهاب”, إلى جانب محاكم الجنايات العسكرية والعادية التي تولّت النظر في القضايا التي كانت تعالجها محكمة الميدان العسكرية بعد إلغائها في 2023، لكنها استمرت في إصدار أحكام إعدام مسيّسة.
وأكدت أنَّ آلاف المعتقلين الذين أُحيلوا إلى محاكم الميدان العسكرية لم يُكشف عن مصيرهم لعائلاتهم، ولم تُسلَّم جثامينهم بعد تنفيذ الإعدام, مشددة على أن هذه الممارسة ترقى إلى جريمة الإخفاء القسري، المصنفة كجريمة ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
وبينت أنه على الرغم من إلغاء محكمة الميدان العسكرية عام 2023، لكن الإعدامات لم تتوقف، واستمر نظام الأسد باستخدام المحاكم العسكرية الأخرى لإصدار الأحكام الجائرة بحقِّ المعارضين السياسيين ما يمثل سياسة ممنهجة لاستمرار القمع والانتقام السياسي.
الارتباط بين الإعدامات والإخفاء القسري
الشَّبكة وثقت العلاقة الوثيقة بين الإخفاء القسري وتنفيذ الإعدامات، حيث بلغ عدد المعتقلين والمختفين قسرياً لدى النظام 136,614 شخصاً حتى آب 2024، من بينهم 112,414 شخصاً لا يزال مصيرهم مجهولاً, حيث تشير الأدلة إلى أنَّ الغالبية العظمى منهم قد تم تصفيتهم في السجون، سواء عبر التعذيب أو الإعدام السري، دون أي إجراءات قانونية.
وحول أبرز الجهات المتورطة بعمليات الإعدام, بينت الشبكة أنه تم تنفيذها بقرارات مركزية صادرة عن أعلى المستويات الأمنية والعسكرية والقضائية للنظام البائد، بما في ذلك الرئيس المخلوع ونائبه للشؤون الأمنية ومجلس الأمن الوطني ووزارة الدفاع والأجهزة الأمنية “المخابرات العسكرية، الجوية، وأمن الدولة”و “القضاء الاستثنائي”، بما في ذلك محاكم الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب.
محكمة الإرهاب تمثل فرعاً أمنياً
وعن “محكمة الإرهاب”, قالت الشبكة إنها واحدة من أخطر المحاكم الاستثنائية التي أنشأها نظام الأسد، ولاسيما أنها مثلت انعكاساً واضحاً لهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، ما جعلها أقرب إلى فرع أمني منها إلى محكمة قضائية مستقلة كما أنَّ جميع أحكام الإعدام الصادرة عنها تُعتبر عمليات قتل تعسفي وفق القانون الدولي.
وأكد التقرير أنَّ نظام الأسد استغل القضاء كأداة سياسية، إذ يتحكم رئيس الجمهورية مباشرة في مجلس القضاء الأعلى، كما أنَّ معظم مراسيم العفو الصادرة منذ 2011، استثنت بشكل ممنهج أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكرية والاستثنائية، ما يشير إلى توظيف القضاء في تصفية الخصوم السياسيين.
إعدامات القاصرين داخل السجون
التقرير كشف أيضاً عن انتهاكات جسيمة ارتكبها نظام الأسد بحقِّ الأطفال، حيث تم احتجاز قاصرين وإخفاؤهم قسرياً، وتنفيذ الإعدام بحقِّ بعضهم عند بلوغهم سن 18 عاماً، في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل, موثقاً 3700 حالة اختفاء قسري لأطفال، و190 حالة وفاة تحت التعذيب، فيما حصلت الشبكة على وثائق تؤكد تنفيذ الإعدام بحقِّ 50 طفلاً على الأقل داخل محاكم الميدان العسكرية بين عامي 2018 و2024.
صيدنايا مركز الإعدامات الجماعية
وتابعت الشبكة أن سجن صيدنايا العسكري يعد رمزاً للقمع الوحشي الذي مارسه نظام الأسد، حيث كان بمثابة مسلخ بشري نُفذت فيه آلاف الإعدامات الجماعية منذ عام 2011, مشيرة إلى أنه وفق شهادات ناجين، كان يتم شنق المعتقلين سراً في عمليات منظمة، دون محاكمة عادلة، ودون إخطار عائلاتهم أو تسليم جثامينهم، ما يعزز أدلة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخل السجن.
المسؤولية القانونية والمحاسبة الدولية
وأكد التقرير أنَّ عمليات الإعدام والإخفاء القسري لم تكن قرارات فردية، بل سياسة ممنهجة أشرفت عليها أعلى المستويات الأمنية والعسكرية في نظام الأسد, مشددة على أن هذه الجرائم تستوجب مساءلة قانونية دولية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ودعا التقرير إلى تحرك دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، من خلال فرض عقوبات على المتورطين في تنفيذ أحكام الإعدام والتعذيب وإلزام الدول الداعمة لنظام الأسد، مثل روسيا وإيران، بتسليم المطلوبين للقضاء الدولي, ودعم العدالة الانتقالية في سوريا لضمان كشف الحقيقة ومنع تكرار الجرائم.
كما دعا الحكومة السورية الجديدة إلى التحقيق والمحاسبة بما في ذلك إجراء تحقيقات حول عمليات الإعدام الجماعي والاختفاء القسري، وتقديم المسؤولين عنها للعدالة, ومحاسبة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وعدم إصدار أي عفو عن مرتكبيها وتجميد جميع الأصول والملفات المرتبطة بمحاكم الإرهاب والمحاكم العسكرية، للحفاظ على الأدلة التي تدين المتورطين وملاحقة المسؤولين السابقين المتورطين في الجرائم، وفرض قيود قانونية عليهم لحين انتهاء التحقيقات.
ودعتها أيضاً إلى التعاون مع المؤسسات الدولية وإصلاح النظام القضائي والقانوني وإتاحة حرية الوصول إلى المعلومات مؤكدة أهمية العدالة الانتقالية وخاصة أنَّ استمرار إفلات المسؤولين عن هذه الجرائم من العقاب يهدد الأمن والسلم الأهلي.
#صحيفة_الثورة