لا يزال الشارع يراقب الأداء الحكومي بين مستعجل ومبرر ومنتقد، ولكن الجميع متفق على قضية الاندهاش من الأداء، فالقرارات تصدر مباشرة من الوزراء دون لجان اقتصادية وخدمية وطاقة وتنمية إدارية وغيرها، وأبعد من ذلك هناك من يستمع للاعتراضات ويتراجع، وهذا لم يعتد عليه المواطن السوري لعقود.
كانت تصدر القرارات بعد إقرارها في اللجان ومصادقة رئيس الحكومة، وترفق بتعميم شفهي بعدم قبول الاعتراضات، “يعني” أمر واقع غير قابل للنقاش، أما اليوم فالقرارات تصدر بسرعة لمعالجة أي قضية وإن شاب البعض منها الخطأ فإن قبول الاعتراض يعالج الأمر، عكس القرارات السابقة التي كانت تأخذ وقتاً طويلاً بسبب سحب الصلاحيات وربطها برئاسة الحكومة، وخلال تلك الفترة تكون الظروف قد تغيرت وأتت القرارات بمفعول عكسي، عدا العناد في مناكفة الناس وابتزازهم.
لا مركزية القرار وترك كل جهة لمسؤولياتها وواجباتها حل مشاكل خلال شهرين يعاني منها الناس منذ سنوات طويلة، كما هو الحال في قطاع التربية والصحة والنقل وغير ذلك من الجهات العامة والخاصة.
هناك أخطاء حصلت نتيجة قلة الخبرة أحياناً، وضعف الإمكانيات وكثرة الاستحقاقات أحياناً أخرى، ولكن اختصار الزمن والتعاطي المباشر والتراجع تكفّل بحل بعض القضايا، والبعض الآخر قيد المعالجة وليس التريث والحفظ.
ليست الأمور وردية، فالمعالجات بعضها وقع بالخطأ ولكن كذلك ليست سيئة وكثير منها جيد وهناك أمور تأخذ مسارها الصحيح في فترة زمنية قصيرة، وهذا ما يجب أن نبني ونعمل عليه جميعاً لمواجهة استحقاقات كبيرة ومعالجة تراكمات مُعنّدة لا تعالج إلا بالبتر والكي.
أن يعترض المواطن دون خوف فهذا أمر كبير، رغم أن البعض ما زالوا يعيشون القلق من حالات الخطف وقلة الأمان.
في زمن النظام البائد أحد زملائنا اعترض على أمر ما وعبّر عن ذلك باعتذاره عن رئاسة المديرية التي كان يشغلها وذهب إلى المنزل وهو يعتقد أن هناك من سيستنكر ويسأل عنه وعن سبب الاعتذار، ذهب إلى المنزل وجلس ينتظر أن يتصل به المدير العام أو الوزير ولكن أحداً لم يتصل، أشعل التلفاز وهو يعتقد أن يأتي ذلك في نشرة الأخبار ولكن لم يحصل، ولم تستنكر ولم تستهجن ذلك أي منظمة، وكانت المفاجأة في اليوم التالي باتصال من أحد أصدقائه في جهة أمنية يدعوه على فنجان قهوة، وحين حضر قال له “احمد ربك أن الأمر وصل لمكتبي، ليس عندنا أحد يطلب، نحن مَن يُعفي ويكلّف، فلا تفعلها مرة أخرى حفاظاً على حياتك وعائلتك”.