الثورة – تحقيق هلال عون:
لماذا فشل القانون رقم 8 الذي صدر عام 2021، وسمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر، بهدف تحقيق الاستفادة المالية لأكبر شريحة ممكنة من صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ممن يستطيعون ممارسة عمل اقتصادي، لكنهم غير قادرين على تأمين التمويل اللازم؟
صحيفة الثورة، تابعت مآل ومصير هذا القانون وأسباب فشله في تحقيق أهدافه لأخذ العبرة، حالياً في حال إنشاء بنوك تمويل مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر.
مفهوم التمويل الصغير
رجل الأعمال، الباحث الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر قال: إن مفهوم التمويل الصغير يعني تقديم تسهيلات ائتمانية محدودة لشريحة من الناس لا يمكنهم، عادة، الحصول على الائتمان وفق الآلية المصرفية الاعتيادية.
وبيّن أن المصارف عندما توافق على منح تسهيلات ائتمانية، تهتم بمعايير عديدة، منها الشخص ومقدرته على السداد، ورأس ماله، والظروف المحيطة به، والضمانات التي يستطيع تقديمها، مع أن التمويل الصغير يركز على الثقة بالشخص وبفكرة مشروعه ومدى قابلية المشروع للنجاح.
أول تجربة
ولفت الدكتور اسمندر إلى التجارب العالمية في هذا المجال، موضحاً أن أول فكرة متكاملة للتمويل الصغير ظهرت مع تجربة “جرامين بنك” Grameen Bank التي وضعها محمد يونس في بنغلاديش، وتقوم على إقراض الفقراء ليتحولوا إلى أشخاص منتجين.
غطت 7% فقط
أما التمويل الصغير في سوريا فبدأ مع هيئة مكافحة البطالة التي أحدثت بموجب المرسوم 79 لعام 2001، وكانت تقدم قروضاً لأشخاص بشروط ميسرة ليقيموا مشروعات متناهية الصغر وصغيرة خاصة بهم.
ثم صدر القانون رقم 15 لعام 2007 وكان يتضمن آلية إحداث مؤسسات التمويل الصغير في سوريا، وأحدث خلال تلك الفترة 4 مؤسسات تمويل صغير؛ كان أداؤها متواضعاً نسبياً، حيث لم تغط سوى 7% من احتياج سوق التمويل الصغير.
بعد ذلك صدر القانون رقم 8 لعام 2021 الذي ألزم جميع الجهات التي تعمل في إطار التمويل الصغير أن تكون على شكل مصارف فقط، وأن يكون لكل بنك تمويل صغير شريك أو شركاء إستراتيجيون، لا تقل مساهمتهم عن 25% من رأس مال البنك، وعدم السماح للجهات الحكومية بالمساهمة في مصارف التمويل الصغير، والطلب من جهات التمويل الصغير المحدثة قبله بتسوية وضعها بموجب القانون.
– مزايا القانون 8:
إعفاء المصارف التي تحدث بموجبه من الضريبة على أعمالها، وإعفاؤها من جميع الرسوم على العقود والعمليات التي تجريها، وإعفاء عملاء المصرف من ضرائب الدخل على ريع رؤوس الأموال ورسوم التعامل مع المصارف ورسم الطابع ورسم المهن.
تقييم القانون 8
لا يمكن اعتبار أن القانون حقق الغاية الأساسية منه، وهي زيادة عدد بنوك التمويل الأصغر في سوريا، حيث لم يحدث بموجبه أي بنك حتى الآن.
وكان من سلبيات القانون حصره التعاون في ملف التمويل الصغير مع البنوك، لأنه بذلك ألغى دور المؤسسات التي يمكن أن تكون لها فلسفة اجتماعية في ملف التمويل الأصغر.
ولا يمكن إغفال حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي عاشتها سوريا خلال الفترة الماضية على منع القانون من تحقيق نتائج إيجابية؛ فالوضع العام في سوريا غير المستقر أمنياً واقتصادياً لم يشجع على الاستثمار في مجال بنوك التمويل الصغير؛ وهذا لا يعتبر عيباً في القانون بحد ذاته، إنما عيب في الظروف المحيطة بتطبيقه.
– تفعيل القانون:
لتفعيل هذا القانون يجب إجراء مراجعة شاملة للقانون مع المعنيين من ممثلي بنوك التمويل الأصغر وشريحة المستهدفين؛ وخبراء اقتصاديين ومصرفيين.
كذلك يجب توفير رعاية حكومية لقطاع التمويل الصغير ومتابعته بشكل مستمر لمعالجة صعوباته، كل ذلك سيتأثر دوماً بطبيعة حالة البلد؛ فمن دون استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي لن يستطيع القانون 8 ولا أي قانون آخر أن يحقق الفائدة المطلوبة حقيقة.
والتقت “الثورة” أيضاً الدكتور عبد المعين مفتاح- الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات، والمختص بالإدارة العامة والتنفيذية، الذي قال: عندما صدر القانون رقم 8 لعام 2021، كانت آمال الكثير من صغار المنتجين وأصحاب المشاريع الصغيرة تتجه نحو تحقيق أحلامهم، بعيداً عن القيود التي فرضتها المصارف التقليدية.
كان الهدف واضحاً، وهو توفير فرص تمويل تتيح لهم تطوير مهاراتهم وتحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية.
– الإيجابيات:
وعن إيجابيات القانون قال: تم توسيع قاعدة التمويل، وبالتالي دعم ريادة الأعمال، الأمر الذي كان يُفترض فيه تحفيز النمو الاقتصادي، وازدياد عدد المشاريع الصغيرة التي تزيد فرص العمل، ليبدأ الاقتصاد يتحرك نحو الانتعاش.
– التحديات:
يتابع د مفتاح حديثه: على الرغم من هذه الإيجابيات، لاتزال هناك تحديات تعيق تحقيق الأهداف المرجوة، إذ يواجه العديد من رواد الأعمال صعوبة في التعامل مع إجراءات البيروقراطية، مما يجعل الحصول على التمويل رحلة شاقة”.
كما أن فرض فوائد مرتفعة على القروض قد يجعل من هذه الديون عبئاً ثقيلاً على كاهلهم، ويعيدهم إلى نقطة الصفر.
وخلاصة القول هي: القانون رقم 8 لم يحقق كل أهدافه في ظل الاقتصاد الاحتكاري بعهد النظام السابق البائد.
ومع التحول إلى اقتصاد سوق حر، يمكن أن يصبح أداة فعالة لتمكين المشاريع الصغيرة، شرط أن يتم تحسين آليات تنفيذه وتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقراراً, فنجاح هذا القانون يعتمد على قدرة الدولة على خلق بيئة استثمارية جاذبة، يكون فيها التمويل أداة للنمو وليس عبئاً إضافياً على كاهل صغار المستثمرين.
– بين النجاح والفشل:
ليلى. ش، رائدة أعمال في مجال الزراعة، قالت: أصبحت القروض التي حصلت عليها بأسعار فائدة مرتفعة عبئا عليّ، و جعلتني أعاني من ضغوط مالية، بالرغم من جهودي الكبيرة لتحقيق النجاح.
عادل. م، قال: افتتحت ورشة صغيرة لصناعة الألبسة، وخاصة الألبسة المدرسية، وقد ساعدني القرض الذي حصلت عليه ، وأصبح عندي خمس آلات، يعمل عليها خمسة عمال بدلاً من آلة واحدة، نتمنى أن تكون هذه القروض بلا فائدة أو بفائدة لا تتجاوز 1 أو 2%.