وعد ديب:
قسم الشيخ أحمد عبد الرحمن أبراهيم حديثه الطيب، لصحيفة الثورة، إلى أربعة محاور، يشرح فيه إماطة الأذى، واضعاً الإرشاد الحقيقي لهذا الشرح بعد كلّ محور.
ابتدأ الشيخ أبراهيم بعظم ذنب الأذى من حيث أن المسلم له عظيم الحق بين إخوانه، ومَن تعرَّض له بسوء وأذى فقد وقع في الإثم والزلل، فهو متوعد من الله بعظيم الجزاء، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِمَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: 58].
وإن كانت هذه الآية في معرض الوقوع اللفظي بالسبِّ في المقام الأول؛ لكن لا يمنع أن يندرج تحتها جميعُ أنواع الأذى مِن تَعَدٍّ على الأموال والمضايقات في الأملاك؛ بل يدخل في ذلك المرافق العامة والطرقات، فالمؤمن له محبّة عند الله، فمن تعرض له بشيء من الأذى، فالله هو خصيمه وحجيجه.
فضل إماطة الأذى
قول الشيخ أبراهيم: إذا كان الأذى حصول الوزر عليه أدباً، فبلا شك أن إبعاد الأذى عن المسلمين له الأجرعدلاً، وقد بلغ فيه من الأجر مبلغاً حتى أوجب لصاحبه جنة المأوى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيراً قطُّ غُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأَماطَه، فشَكَرَ اللهَ له بها؛ فأدَخَلَه الجنةَ”[سنن ابي داود].
وسرهذا الأجرالعظيم أن هذا الرجل أحبّ الخير للناس، ورحم ضعفهم، وشقّ عليه أذاهم، فغشيته رحمة الله، وأعطاه أعظم الرحمات، فكان من أهل الجنات.وهذه رسالة مضمنة وبُشْرى نزفُّها إلى كلّ شخص وسَّع على الناس في طرقهم من ملكه الخاص، وأبعد عنهم أذى الضيق، لك أجْرُ كلِّ مارٍّ، وأنت في صدقة كلّ يوم، فاحتسب الأجر عند الله.
إماطة الأذى من الإيمان
وما أجمل أن تكون حياتنا الخاصة والعامة مرتبطة بعقيدتنا وشرعنا الذي ارتضاه لنا ربنا! فمن أعظمها شأناً وهو التوحيد قولاً وعملاً واعتقاداً إلى إماطة الأذى عن الطريق إيماناً واحتساباً، كله دين، يصورهذا حديث أبي هريرة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ- أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ” [رواه مسلم].
فكلّ ما آذى الناس من حجر أو قذر أو ما ضايقهم في طريق أو مستراح فإن إبعاده درجة من درجات الإيمان، فما أعظم أن تزيد إيمانك كلّ يوم بإبعاد أذى أو تقديم نفع للناس! وإنه ليكفي المؤمن التقي والعاقل اللبيب في كفِّ أذاه أن يعلم أن الله على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم شرع لمن أُوذي أن يلعن من آذاه، فعن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ آذَى المسلمينَ في طُرُقِهِمْ، وجَبَتْ عليهِ لَعْنَتُهُمْ” [المنذري في الترغيب والترهيب، الهيثمي في المجمع، السيوطي في الجامع الصغير].
وعند مسلم من حديث أبي هريرة أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: “اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ”، قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: “الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ”. فليس والله بالهيِّن- والكلام للشيخ إبراهيم- أن يتلقى العبد لعنات البشر، كلهم يطلبون من الله أن يبعد هذا المؤذي عن رحمته وفضله، فربما بلغ الأذى بأحدهم درجة الضرر، فيتقبل الله دعاه؛ لأنه يجيب المضطر ويكشف السوء، والبعيد مَن أبعده الله عن رحمته وفضله، وأورد الشيخ أبراهيم بعض القضايا التي يجدرالتنبيه عليها في هذا المقام ومن ذلك: لا تستصغر المعروف كما لا تستصغر الشر، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: “عُرِضَتْ عليَّ أعمالُ أمتي: حسَنُها وسيِّئُها، فوجدتُ في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالِها النُّخاعة تكون في المسجد لا تُدفَنُ” [رواه مسلم].
كما أن النظافة واحترام المصالح العامة، ومنع قذرك عن الشوارع والمتنزهات والحدائق، ليس هذا مجرد ذوق عام وثقافة شخصية يمكن أن تتخلَّى عنها متى شئت؛ بل هو دين، فلا يحقُّ لأحدٍ أن يعبث في الملك العام؛ لأنه حقٌّ للجميع.متابعاً: من المقرر شرعاً أن المصلحة الخاصة تُحترم؛ ولكن إذا تعارضت مع المصلحة العامة قدّمت العامة، فلو كان لك بيت أو أرض، واحتاج الناس إلى طريق، فليس لك الحق شرعاً أن تمنعهم؛ لأن منعك أذى وضرر، والضررمرفوع.