الثورة:
في لقاء خاص مع صحيفة الثورة، يروي الدكتور محمد حمزة تفاصيل تجربته منذ لحظة اعتقاله عام 2011، مروراً بسنوات الاعتقال القاسية في سجن صيدنايا، وصولاً إلى محاولاته لاستعادة حياته ومهنته بعد الإفراج عنه، وانتهاء بتوليه رئاسة فرع نقابة أطباء الأسنان في دمشق بعد سنوات من الاضطهاد والملاحقة.
الاعتقال
الدكتور حمزة أكد أنه تم اعتقاله في 18 أب 2011، الموافق لـ 18 رمضان، حيث داهمت قوة من المخابرات الجوية منزله في شارع خالد بن الوليد بدمشق عند الساعة الثالثة فجراً، أثناء استعداده وعائلته للسحور، وأوضح أن العناصر اقتحموا المنزل بطريقة وحشية من دون أي اعتبار لحرمة العائلة، وقاموا بكسر الباب، واقتحموا غرفة نومه مباشرة، حيث كان نائماً بجوار زوجته وأطفاله الصغار، الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم الثلاث سنوات ونصف.
وأشار إلى أن الاعتقال لم يكن مجرد احتجاز، بل كان عملية نهب متعمدة، حيث قام العناصر بمصادرة جهاز الحاسوب الخاص بأسرته، ثم اقتادوه قسراً إلى عيادته الطبية، وهناك فتحوا العيادة بالقوة وصادروا جهاز الحاسب الخاص بها أيضاً، وأضاف: إن عملية نقله إلى الفرع الأمني كانت مليئة بالعنف، حيث عصبوا عينيه منذ لحظة الاعتقال، وانهالوا عليه بالضرب بأعقاب البنادق والعصي طوال الطريق، حتى وصل إلى فرع الجوية في حرستا، حيث تم أيضاً مصادرة سيارته الخاصة.
رحلة العذاب
وأوضح الدكتور حمزة أنه بقي في فرع المخابرات الجوية مدة ستة أشهر، مقسمة إلى ثلاثة أشهر في فرع حرستا، ثم ثلاثة أشهر في الإدارة العامة للجوية في باب توما، وأكد أنه خلال هذه الفترة، خضع لجولات من التحقيق العنيف، حيث تعرض لمختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، بدءاً من الضرب والتعليق والحرمان من النوم، وصولاً إلى التهديد بالتصفية الجسدية.
وأشار إلى أن التعذيب لم يكن يقتصر على التحقيقات، بل كان يمارس يومياً لمجرد التسلية من قبل السجانين، حيث تعرض للصعق بالكهرباء، ووضع في زنزانة ضيقة لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، وكانت تعج بعشرات المعتقلين في ظروف غير إنسانية.
إلى المسلخ البشري
وبيّن الدكتور حمزة أنه نُقل إلى سجن صيدنايا العسكري في 6 شباط 2012، مع مجموعة من المعتقلين، معظمهم من الأكاديميين والنشطاء السلميين من أبناء دمشق والغوطة الشرقية والغربية، وأكد أن الرحلة إلى السجن جرت في ظروف من البرد القارس والثلوج، وفور وصولهم، بدأ السجانون بتعذيبهم بوحشية لا يمكن تصورها.
وأضاف: إن المعتقلين تعرضوا للضرب العنيف بالهراوات الحديدية والسلاسل، بعد أن تم تجريدهم تماماً من ملابسهم، وأُجبروا على الزحف تحت الضرب قبل أن يتم دفعهم إلى الزنزانات الانفرادية، حيث تم وضع عشرة أشخاص في زنزانة لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، مما جعل التنفس بحد ذاته تحدياً يومياً.
وأشار إلى أن السجانين تعمدوا إذلال المعتقلين نفسياً، حيث كانوا يحتجزونهم في دورات المياه لساعات طويلة، مع الحرمان التام من النوم، وأكد أن سجن صيدنايا كان أشبه بالمسلخ البشري، حيث شهد إعدامات جماعية ومجازر داخل الزنازين، بينما مات العديد من زملائه المعتقلين تحت التعذيب أو بسبب الأمراض.
محاولة للبقاء
وأوضح الدكتور حمزة أنه بعد ثلاث سنوات من الاعتقال في صيدنايا، تم نقله إلى سجن عدرا المركزي، حيث بقي هناك أربع سنوات ونصف، وأكد أنه وصل إلى عدرا وهو في حالة صحية كارثية، حيث كان شبه مشلول، يعاني من اعتلال أعصاب حاد، فقدان جزء من السمع، وعدم القدرة على المشي بشكل متوازن.
وأضاف انه ورغم وضعه الصحي، قرر أن يكرس وقته لمساعدة زملائه المعتقلين، فانضم إلى قسم الطبابة في السجن، وأشرف على علاج أكثر من خمسين ألف معتقل خلال فترة وجوده هناك، حيث قدم الرعاية الطبية في المستشفى داخل السجن والعيادات.
معاناة جديدة
وأكد الدكتور حمزة أنه حصل على الإفراج في 9 آذار 2019، بعد سبع سنوات ونصف من الاعتقال، ضمن عفو جزئي شمل تخفيض ربع المدة بسبب حسن السلوك، وأوضح أن لحظة خروجه من السجن كانت ممزوجة بالحزن والفرح، حيث عاد ليجد والدته مريضة، ووالده في سن متقدمة، وأطفاله الذين تركهم صغاراً قد كبروا وأصبحوا في المراحل الدراسية المتقدمة.
وأشار إلى أن المعاناة لم تنتهِ عند هذا الحد، حيث واجه صعوبات كبيرة في استعادة حياته، إذ تم منعه من السفر ومزاولة المهنة، وظل خاضعاً للمراقبة الأمنية والاستدعاءات المتكررة، بالإضافة إلى التقارير الكيدية التي تتهمه بأنه “خلية نائمة”.
العودة إلى النقابة
وصرح الدكتور حمزة بأنه، رغم كل التحديات، لم يستسلم، وبعد محاولات مضنية، تمكن من استعادة حقه في ممارسة المهنة، ومع التحولات التي شهدتها البلاد، وجد نفسه اليوم في موقع مختلف تماماً، حيث تم تكليفه برئاسة فرع نقابة أطباء الأسنان في دمشق، وهو الموقع الذي لم يكن يحلم بالوصول إليه خلال سنوات الاضطهاد والملاحقة.
الشعور بالنصر
أوضح الدكتور حمزة أن شعوره بعد سقوط النظام لا يمكن وصفه، قائلاً: إنه اليوم الذي كان ينتظره طوال حياته، اليوم الذي استعاد فيه كرامته التي سُلبت منه طوال سنوات الاعتقال والملاحقة.
وأكد أنه اليوم يمارس مهنته بعزة وشرف واحترام، بعد أن كان ملاحقاً ومهدداً، وختم حديثه قائلاً: “لقد عادت إليّ كرامتي، وعادت إليّ مكانتي، اليوم أمارس مهنتي بكل شرف وعز واحترام، بعد أن كنت أُصنف إرهابياً، والناس تخشى الاقتراب مني، واليوم، أنا هنا بقوة الحق والانتصار، بفضل الثورة، بفضل كل من ناضل وضحّى”.
وختم حديثه بتوجيه الشكر لكل من ساهم في هذه الثورة، قائلاً: “جزى الله عني كل شهيد، وكل مناضل، وكل مجاهد، وكل ثائر، وكل من ساهم في هذه الثورة، ولو بكلمة، ولو بدعم، ولو بدعاء، فلولاهم، لما كنت هنا، ولما عشنا هذه الفرحة العظيمة التي عمت سوريا بأكملها، الحمد لله رب العالمين”.