الثورة – فؤاد مسعد:
“الله يكون معك، الله يعمي عنك..”، هو دعاء “أم فرج” لابنها الوحيد لحظة فِطامها عنه، فقد غادرها ليستقل مع زوجته في منزله الخاص، هي الأم التي حملت في قلبها قهر الدنيا وظلم الناس، كانت الصوت الصارخ، الصوت الناطق بالحكمة في الكثير من الأماكن، حملت وزراً سيرافقها وابنها إلى الممات، بأنها قتلت يوماً زوجها سيئ السمعة وسُجِنت، وعملت في تغسيل الأموات، وهي المهنة الذي شكلت فضاء مختلفاً للدور لأنه نادراً ما يكون نسائياً في عمل درامي.
أم فرج الشخصية التي أدتها الفنانة جيانا عيد في مسلسل “البطل”، مُعبّرة عن روحها بما تعتلج به من عوالم داخلية، فرسمت ملامح هدوئها واتزانها، غضبها وقلقها، بريشة فنان مرهف الإحساس، الأمر الذي بدا جلياً من خلال تعابير الوجه النابضة بالمشاعر وكأنها تتكلم، والنبرة المدروسة للصوت وتلونه ونغمته والبحة التي ظهرت في العديد من المشاهد، ونظراتها التي تراوحت بيت الحنّية والحدة، أما تجاعيد وجهها فقصّت كل منها حكاية قهر وألم، وجاء المكياج الدرامي ليُعمّق من هذا التأثير ويظهره بأفضل صورة.
حملت هذه التجربة تميزها على صعيد الشكل والمضمون، في كيفية تعاطيها مع أدوارها، وفهمها لها ومدى اهتمامها بالتفاصيل، فقدمتها بمستوى عالٍ من الأداء والكثير من البحث عن ظروف الشخصية وعوالمها الداخلية وتركيبتها النفسية، لتبدو مُشبعة وممتلئة منها، سعياً للخروج بصيغة تحقق التأثير المطلوب.
وقد جاء حضور الفنانة جيانا عيد معجون بكاريزما خاصة، مكرساً فكرة أن الذهب النقي لا يظهر لمعانه الحقيقي إلا عندما يُمتحن بالنار، واليوم هذا الذهب بدا واضحاً في دور حمل سماته لفنانة لم تؤثر قلة أعمالها الدرامية على قوة حضورها ومكانتها عند الجمهور، ففي كل مرة تزداد ألقاً وتوهجاً وتجدداً.
مسلسل “البطل” مأخوذ عن فكرة للكاتب الراحل ممدوح عدوان، إخراج الليث حجو، وتأليف مشترك بينه وبين رامي كوسا، سيناريو وحوار رامي كوسا، معالجة درامية لواء يازجي.