الثورة – رنا بدري سلوم:
“ما الشيء المشترك بين العربي والأسود والمسلم واليهودي والمهاجر والمرأة والشيطان وانعدام الأمن والفقر والعلم والدين والمستقبل والأزمة والشيوعيّة والإرهاب والشعوبيّة والموت؟.. “إنه “الخوف” الذي يثيرونه”..كيف نجد أنفسنا بين كل هذه المخاوف، ولاسيما أن بعضها مشروع.. وبعضها الآخر تتم صناعته وزيادة حدّته بطريقة واعية؟. يبدو أن الخوف يجعل مجتمعنا عاجزاً مشلولاً، الخوف من الآخر والخوف من فقدان القليل الذي نملكه، إنه قلقٌ يمكن له أن يفسد محاكماتنا العقليّة وأن يحرمنا من الشّجاعة اللازمة لتغيير هذا المجتمع.
في أوقات الأزمة والانتفاضات الشعبيّة يأتي كتاب “روبير شارفان” في أوانه، فهو يجول في التاريخ الحديث أو الأكثر قدماً ويقارن بين مخاوف الماضي ومخاوف اليوم ويزيل قشورها ويعرض آلياتها، إنه يساعدها في فهم كيف أن الحكام المهيمنين أدّوا دوماً، ولا يزالون يؤدون دوراً في هذه المخاوف من أجل تثبيت سلطتهم وإبعاد الاحتجاجات عنها.
في الأساس يؤدي الخوف دوراً أساسياً عند كل طبقة مهيمنة مسيطرة: فهو يحبط العزائم ويلهي ويفرق إنها استراتيجية “الأبعاد الثلاثيّة”.
إن الانكباب على التاريخ لم يعد التفافاً، بل هو طريق مختصر ستساعدنا المخاوف القديمة التي يمكن أن نحكم عليها من خلال الانكفاء والانفصال عنها في فهم كيف يتم التلاعب بنا، اليوم الأشكال تتغيّر، ولكن الإجراءات باقية، يسمح الماضي لنا بفهم الحاضر كي نتصرف بدءاً من الغد، التاريخ ليس شيئاً مترفاً بل ضرورة من أجل هذا تسعى الحكومات إلى استبعاده من البرامج المدرسيّة أو جعله غير عدائي بتحريره مما هو جوهري.. هذه المعركة السرمديّة تبلغ نسبتها من 1 في المئة إلى 99 في المئة.
كل هذه المضامين والمفاهيم يتحدث عنها كتاب “الخوف سلاح سياسي – الحكم هو إثارة المخاوف ثم نشر الاطمئنان” تأليف “روبير شارفان” ترجمة الدكتور مروان إسبر، طباعة الهيئة العامة السورية للكتاب، يحكي الكاتب عن الخوف الذي يستخدم سلاحاً سياسياً، فيعود بنا إلى التاريخ ليقتفي أثر الخوف الذي أصاب الشعوب القديمة، ويبحث في مصدره ثم ينتقل إلى العصر الحديث ليتحدّث عن مصادر الخوف وكيفيّة التصدّي له، ومن خلال مقارنة مخاوف الماضي والحاضر يميط الكتاب اللثام عن الاستراتيجيّة المشتركة التي تتبعها السلطات، وهي إثارة المخاوف ثم نشر الطمأنينة، يقودنا هذا الكتاب إلى التفكير والتأمل في فكرة أن فهم المرء لمخاوفه هو بداية الطريق للسيطرة على هذا الخوف والتخلص منه.
وفي فصوله الثلاثة يفرد لنا الكاتب بعض الركائز التاريخيّة من أجل فهم الخوف، الخوف من العصور القديمة والعصور الوسطى، من عصر النهضة حتى يومنا هذا، بينما يتوجّه الفصل الثاني منه إلى الإدارة المعاصرة للخوف وتطور المهرطقين والمخاوف الحاليّة وفوائدها الخوف من الآخر منشؤه وتحديثه، وأصل التحيز الجنساني الاجتماعي، بينما يشرح الفصل الثالث عن الردود على الخوف والقادة المختلفين وأمن الجماعة والمشكلة البيئيّة كاستعراض والقانون للجميع والدولة الاجتماعيّة خطوة كبيرة، أمّا الفصل الرّابع فيعرّف الثورة، أي نوع منها وما المانع من القيام بها.
وفي النهاية ندرك أن “للخوف بعداً يجرّد من الإنسانيّة” سواء كان عن معاناة أو أنه مفروض فرضاً سواء تعلّق الأمر “بذعر شامل” من أسوأ الطغاة أو من “الاضطهاد الناعم” للديمقراطيات المزعومة، سواء تعلّق الأمر بالمواطنين المحكومين أو ارتبط بالحكّام المسيطرين أنفسهم.
فالسلطات، التي تريد في آن واحد أن تكون مرهوبة الجانب وأن تجعل من نفسها حامية تقدم أو تسهل الحصول على أجوبة وهمية من مقياس خوف المحكومين إلى حد ما، رغم ذلك يبدو أنه لا توجد “وصفة معينة” يخترع موطن الخيال السياسي مع ذلك الآلاف من التجارب في كل مكان في العالم.
يجب أن تساعدنا هذه التجارب في اجتياز الخوف، بينما لم تعد الهزيمة أمام الخوف مبرمجة أكثر من الانتصار، العقبة الرئيسية في التاريخ هي في الصعوبة القصوى بتصوّر أن يكون هناك مجتمع آخر ونموذج آخر من العلاقات الاجتماعيّة، إذاً إنه الخوف من المجهول الذي يحد الرغبة في تجاوز المجتمع القديم بكل التطرّف الذي يفرضه هذا الأمر، وبالتالي الثمن الذي يقتضي ذلك تسديده، في الواقع التمرّد للوصول إلى الجديد يكلّف بشكل بديهي أغلى بكثير من الدفاع عن المكتسبات!
يوضح ذلك مجال الفنون، فكل عمل فنّي مبتكر في قطيعة مع النزعة الكلاسيكية في عصره هو مصدر للفضيحة، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر”تدخل مجلس النواب الفرنسي ضد فن الرسم التكعيبي” لنفي المبدعين وتشبيههم بعملاء التخريب، كرفض مشاركات الرسّام الفرنسي “كوربيه” في عدّة صالات عرض والذي له جملة شهيرة: “أنا في الخمسين من عمري ودائماً ما عشت في جو من الحريّة، دعوني أنهي حياتي حرّاً، عندما أموت قولوا: لم يكن ينتمي لأي مدرسة، ولا أي كنيسة، ولا أي مؤسّسة، ولا أي أكاديمية ، ولا لأي نظام عدا نظام التحرر”.