بقلم: ضياء قدور-محلّلٌ سياسيٌّ سوريّ
تكشفُ تقاريرٌ حديثةٌ نشرتها وكالةُ “ميديا لاين” عن مساعٍ سرّيّةٍ تبذلُها إيرانُ لإعادةِ بناءِ نفوذِها العسكريِّ في سوريا، وذلك بعد التغيّراتِ السياسيّةِ التي شهدتها البلادُ وسقوطِ نظامِ بشارالأسد.
وتُجري طهران هذه الجهود عبر إقامة معسكراتٍ تدريبيّةٍ في صحراءِ الأنبارِ العراقيّة، قربَ الحدودِ السوريّة، بإشرافِ الحرسِ الثوريِّ الإيرانيّ ووحداتٍ من “الحشد الشعبيّ”.
ويبدو أنّ هذه الخطوةَ تُجسّدُ استراتيجيّةً جديدةً تعتمدُها طهرانُ لاستعادةِ موطئِ قدمٍ لها في سوريا، مستغلّةً حالةَ عدمِ الاستقرارِ السياسيِّ والطائفيِّ في البلاد.
وتُظهِرُ التقاريرُ أنّ هذه المعسكراتِ تستقبلُ ضبّاطاً ومقاتلين موالين للنظامِ السابق، كانوا قد فرّوا من سوريا بعدَ انهيارِه. ويخضعُ هؤلاء لتدريباتٍ عسكريّةٍ مكثّفةٍ يُشرفُ عليها ضبّاطٌ من “فيلق القدس” التابعِ للحرسِ الثوري، بدعمٍ من ميليشياتٍ شيعيّةٍ أبرزُها “حزب الله العراق”.
وتشيرُ المصادرُ إلى أنّ معسكراً كبيراً أُقيمَ قربَ مدينةِ القائمِ الحدوديّة، وتلقّى دعماً لوجستيّاً من منطقةِ “جرف الصخر”، التي تُعَدُّ مركزَ العمليّاتِ الرئيسيَّ لإيرانَ في العراق.
وقد أكّد شهودُ عيانٍ نقلَ مئاتِ الجنودِ السوريين إلى هذه المعسكراتِ بواسطةِ مركباتٍ تحملُ شعاراتِ الميليشيات، مع فرضِ طوقٍ أمنيٍّ يمنعُ المدنيين من الاقتراب.
في السياقِ نفسِه، أعلنَ رجلُ الأعمالِ السوريُّ رامي مخلوف، المقرّبُ من عائلةِ الأسد، عن تشكيلِ “قوّاتِ النخبة” بالتعاونِ مع العميدِ سهيل الحسن، القائدِ السابقِ للقوّاتِ الخاصّة. وادّعى مخلوفُ أنّ هذه القوّاتِ، التي قال :إنّها تضمّ 150 ألفَ مقاتلٍ خاصّ، ومليونَ عضوٍ في “لجانٍ شعبيّة”، تهدفُ إلى حمايةِ الساحلِ السوري.
غيرَ أنّ هذا الإعلانَ يثيرُالشكوكَ، إذ يُرجَّحُ أن يكونَ جزءاً من خطّةٍ إيرانيّةٍ لتعبئةِ القوى الموالية لها، ولا سيّما في أوساطِ الطائفةِ العلويّة، بهدفِ مواجهةِ الحكومةِ السوريّةِ الجديدة.
تحاولُ إيران، التي خسرتْ نفوذَها الرسميَّ في سوريا بعد سقوطِ الأسد، أن تُعيدَ تموضعَها من خلالِ استثمارِالولاءاتِ الطائفيّةِ في صفوفِ العلويين والقبائلِ المقرّبةِ منها، سعياً لتشكيلِ قوى عسكريّةٍ جديدة.
ويبدو أنّ هذا التوجّهَ يندرجُ في إطارِالحفاظِ على ما تُسمّيه طهران “محورَ المقاومة”، الذي تضرّرَ بشدّةٍ بعدَ الخسائرِالفادحةِ التي مُني بها “حزب الله” اللبنانيُّ في حربِه الأخيرةِ مع إسرائيل.
وفي ظلِّ هذا الفراغِ السياسيِّ، ترى إيرانُ فرصةً سانحةً لإعادةِ تنظيمِ وكلائها العسكريين في سوريا. لكنّ الموقفَ العراقيَّ يظلُّ موضعَ تساؤلٍ. فصمتُ الحكومةِ العراقيّةِ إزاءَ هذه التحرّكاتِ العسكريّةِ على أراضيها يثيرُ قلقاً مشروعاً. وقد وصفَ الضابطُ العراقيُّ المتقاعدُ عمركربولي النشاطَ العسكريَّ قربَ الحدودِ السوريّةِ بأنّه “استثنائيٌّ”، مبيّناً أنّ بغدادَ تتجنّبُ الاعترافَ العلنيَّ بوجودِ الحرسِ الثوريِّ في منطقةِ جرف الصخر.
ويُخشى من أن يُفضي هذا الصمتُ إلى منحِ إيرانَ مساحةً أوسعَ للتحرّكِ دونَ رادع. وبصفتي محلّلاً سياسيّاً، أُحذّرُ من أنّ إيران قد تستغلُّ المخاوفَ الطائفيّةَ لدى العلويين لتعميقِ الانقساماتِ الداخليّةِ في سوريا، وربّما تدفعُ نحوَ تنفيذِ أعمالِ عنفٍ تهدفُ إلى زعزعةِ استقرارِ الحكومةِ الجديدة. إنّ هذه الاستراتيجيّةَ، إنْ تُركتْ دونَ ردعٍ، تُهدّدُ وحدةَ سوريا واستقرارَها، وتستوجبُ يقظةً إقليميّةً ودوليّةً لمواجهةِ التدخّلاتِ الإيرانيّةِ الخفيّة