الانتخابات والمراحل الانتقالية.. فرص قائمة أم ضائعة؟ 

بقلم وزير الإعلام حمزة المصطفى 

تعد الانتخابات من أبرز المفاهيم المرتبطة بالمراحل الانتقالية، إذ يعتقد كثيرون أنها الفيصل في تحديد طبيعة النظام السياسي وتمييزه عن غيره. بل يذهب البعض إلى اعتبار الانتخابات المؤشر الأهم في قياس عملية الانتقال الديمقراطي، مستندين إلى مقولة شائعة: “تترسخ الديمقراطية في بلد ما عندما تُجرى فيه دورتان من انتخابات نزيهة وعادلة – Free and Fair elections”.   ولهذا تُطرح الانتخابات في السياسة والإعلام والرأي العام غالباً بوصفها الحل السحري لمعالجة جميع الإشكالات الانتقالية، لا سيما قضية الشرعية والتمثيل، لتصبح بذلك وكأنها “اللعبة الوحيدة المتاحة “the only game In town”.

لكن السؤال المطروح هنا: هل يصلح هذا النموذج لجميع الدول، بما فيها سوريا بعد سقوط نظام الأسد المجرم؟ هذا ما سأحاول مقاربته اعتماداً على أدبيات دراسات الانتقال السياسي والدمقرطة، مع التركيز على الجانب الأكاديمي فقط.

تشير الدراسات إلى أن تأثير الانتخابات، إيجاباّ أو سلباً، على مسار الانتقال يتوقف بالأساس على طبيعة هذا المسار ونوعه. غالباً ما تميز الأدبيات بين ثلاثة أنماط رئيسية للانتقال:

1.⁠ ⁠الانتقال من أعلى (Transition from above): يحدث عندما يقتنع النظام السياسي أو جزء منه (تيار معتدل) بأن حالة استعصاء تمنع استمرار الوضع القائم، فيقود عملية سياسية تنتهي بتغيير الحكم خشية من انهيار الدولة أو الانزلاق إلى صراع مسلح أو حرب أهلية. تمثل بعض تجارب دول أمريكا اللاتينية هذا النموذج.

2. ⁠ ⁠التوافقات الميثاقية (Pacts): تجري حين يدرك النظام السياسي أو جزء منه وجود استعصاء سياسي بسبب ضغط شعبي أو ثورة، بحيث تغيب قدرة الحسم لدى كل من النظام وقوى المعارضة. عندها يبادر الطرفان إلى التوافق على مبادئ وإجراءات تؤسس لانتقال سياسي يبدأ بحكومة توافقية ويمهد تدريجياً لتغيير الحكم.

3. التغيير من أسفل (Change from below): يحدث عندما يرفض النظام القائم أي معالجة سياسية لأزمة بنيوية عميقة ناتجة عن ثورة شعبية أو تمرد واسع، ما يدفع قوى المعارضة منفردة أو بالتحالف مع أطراف دولية أو إقليمية إلى إسقاط النظام وتحقيق التغيير.

وبالعودة إلى جوهر الموضوع، ترى دراسات الانتقال أن الانتخابات تشكل خياراً مفضلا ًفي المسارين الأول والثاني، حيث تكون الخلافات السياسية قابلة للإدارة أو التوافق. أما في المسار الثالث، فغالباً ما تبرز انقسامات سياسية ومجتمعية حادة نتيجة طول فترة الاستبداد وشدة القمع وعمق التصدعات المجتمعية، خاصة في البلدان ذات التركيبة الإثنية والدينية والطائفية المعقدة. في هذين المسارين، تحدد الانتخابات حجم القوى المتصارعة وترجمة القوى التمثيلية في البرلمان أو الحكومة من دون المساس بتماسك الدولة. أما في السيناريو الثالث، فغالباً ما تكون الدولة ضعيفة كمؤسسات ومفهوم، وتغيب الهوية الوطنية الجامعة لتحل محلها هويات فرعية ضيقة.

لذلك، يُحذّر كثير من دارسي مسارات الانتقال من اللجوء إلى الانتخابات العددية (التصويت) في المراحل الأولى بعد التغيير من أسفل. هذا الإجراء قد يؤدي إما إلى عودة النظام القديم بوجوه جديدة نظراً لتفوقه التنظيمي والخبرة الانتخابية، أو إلى بروز قوى تقليدية طائفية أو عرقية أو حزبية. وتشير الإحصائيات إلى أن الدول التي أجرت انتخابات مباشرة عقب تغيير من أسفل، غالباً ما شهدت نتائج انتقالية سلبية؛ حيث أدت الانتخابات إلى تعميق الانقسامات وترسيخ الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية.

إذًا، ما البديل عن الانتخابات وكيف يمكن معالجة إشكالية الشرعية في مثل هذه الحالات؟

لا تعطي دراسات الانتقال أهمية قصوى للشرعية الانتخابية في أعقاب الثورات أو التمردات الاجتماعية الكبرى، إذ إن الشرعية الجديدة تُكتَسب غالباً من خلال “شرعية الإنجاز”، التي تفرض اعتراف المجتمع الدولي. غير أن ذلك لا يُعفي السلطات الجديدة من ضرورة معالجة “المشروعية القانونية” اللازمة لضمان انتظام الحكم وسلامة التشريعات والقوانين وانتقال السلطة بشكل منظم.

لهذا تلجأ كثير من التجارب الناشئة إلى ابتكار آليات تمثيل مؤقتة أو تصويتية تمنح مشاركة شعبية أكبر وتسمح باندماج قوى جديدة في صنع القرار، دون المخاطرة بعودة النظام القديم أو بانقسام المجتمع. وقد شهدت سوريا مثل هذه التجارب عبر “الهيئات الناخبة” التي بُنيت على أسس مجتمعية، لتسد الفراغ التمثيلي مؤقتاً وتتيح تشكيل مجلس تشريعي يُعد حاجة ملحة في ظرف الانتقال.

ورغم أهمية الإجراءات الانتخابية، إلا أنها لا تشكل شرطاً حتمياً لنجاح الانتقال بقدر ما تساهم في تنظيمه وترشيد أداء الحكومات الانتقالية. لذلك، تشترط الأدبيات جملة من الشروط الواجب توفرها، من أهمها:

1.⁠ ⁠الاجماع على الدولة: يجب أن يحدث الانتقال في ظل دولة معترف بها، واضحة الحدود، وتحظى باتفاق جميع القوى السياسية.

2.⁠ ⁠التوافق على أسس الانتقال: لا يُعنى بدراسات الانتقال بمعرفة من يحكم بعد التغيير من أسفل، بل بكيفية إدارة الحكم ومحددات المرحلة الانتقالية.

3.⁠ ⁠ترميم الانقسامات المجتمعية وجبر الضرر وتحقيق عدالة انتقالية مقنعة.

4.⁠ ⁠إدارة التوقعات الشعبية، إذ ليس من المتوقع حل الأزمات البنيوية العميقة دفعة واحدة.

5.⁠ ⁠طرح برامج تحديث تسمح بتحقيق تطور اقتصادي، بما يضمن تحسين مستوى المعيشة دون الإخلال بأولويات الانتقال السياسي.

6.⁠ ⁠الانفتاح وتبني حوار شامل، فالفترات الانتقالية تكثر فيها الانقسامات مما يستدعي إعادة تعريف الجماعة الوطنية وتلافي خطاب “نحن/هم”.

7.⁠ ⁠وضع خريطة انتقال واضحة من حيث الإجراءات والمدى الزمني.

وعند إسقاط هذه الاعتبارات على الحالة السورية، نجد أن الحكومة الحالية دعت، وبدرجات متفاوتة، إلى ترجمة هذه المبادئ من خلال تغليب الحوار والتوافق لتجاوز المرحلة الانتقالية الحرجة، بما يضمن التوافق على قواعد وأسس المرحلة المقبلة. وهكذا تبدو الانتخابات فرصة لتعزيز المسار السياسي وتفعيل مؤسسات الدولة وتطوير القوانين، لكن نجاح ذلك مرهون بإجماع وطني على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وبوضع المبادئ التي تهيىء لانتقال كامل إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر.

آخر الأخبار
دوي القذائف يهز أرجاء حلب… جبهة الشيخ مقصود تشتعل وسط استنفار أمني النساء في البرلمان السوري... "كوتا" لم تكتمل والحلّ بيد الرئاسة ضعف تمثيل المرأة في انتخابات مجلس الشعب أسبابه عديدة وأبرزها اقتصادية وسياسية مؤيد غزلان : المجلس الجديد مظلة وطنية توحد السوريين رئيس اللجنة العليا للانتخابات: الأولوية للأكفاء القادرين على البناء نوار نعمة : البرلمان سيكون داعماً للحكومة و مراقباً لأدائها قسم غسيل الكلى  بالخدمة في مستشفى الحراك الوطني لجنة الانتخابات تصدر النتائج الأولية وتفتح باب الطعون الإعلام شريك في حماية الطفولة في الحوادث وطب الطوارئ.. حين يُحدث التوقيت فرقاً في إنقاذ الأرواح الشيباني عن زيارته للدوحة: بحثنا توطيد العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون زيارة الشرع المرتقبة إلى موسكو.. وإعادة رسم طبيعة الشراكة الجوز واللوز والفستق الحلبي.. كسر حاجز الكماليات وعودة للأسواق مركز الأحوال الشخصية بجرمانا.. خدمات متكاملة خطة لإعادة تأهيله.. تقييم أضرار مبنى السرايا التاريخي تدمير القطاع الصحي.. سلاحٌ إسرائيليُّ آخر لقتل الفلسطينيين تطوير وتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي في ريف القنيطرة في الشهر الوردي.. ثمانون عيادة في اللاذقية للفحص والتوعية محادثات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل حول خطة ترامب أسعار الكوسا والبطاطا في درعا تتراجع.. والبندورة مستقرة