زيارة الشرع لفرنسا وأبعادها السياسية والقانونية…مارديني لـ “الثورة: لحظة فاصلة لبدء مسار علاقات يبدو معقداً في الأمد القريب

الثورة – نور جوخدار:
في لحظة فارقة من تاريخ سوريا ومسارها السياسي، يزور السيد الرئيس أحمد الشرع فرنسا اليوم الأربعاء، بدعوة رسمية من قصر الإليزيه، حيث من المنتظر أن يعقد الرئيس الشرع لقاء مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتأتي هذه الزيارة التي تحمل أبعاداً سياسية وقانونية، وسط تطلعات المجتمع الدولي لإحداث تحول حقيقي في مسار سوريا قائم على العدالة والمواطنة.

– علاقات تاريخية وثقافية:

وعن أبعاد الزيارة والملفات التي سيتم بحثها بين الرئيسين الشرع وماكرون حاورت صحيفة الثورة باتصال هاتفي المحامي والأكاديمي السوري المقيم في فرنسا زهير مارديني، والذي أكد أن زيارة الرئيس الشرع إلى باريس تعد الأولى له إلى القارة الأوروبية والعالم الغربي عموماً، وإلى عاصمة تربطها بسوريا علاقات تاريخية وثقافية لايمكن إنكارها، مشيراً إلى أن فرنسا لطالما كانت الدولة الغربية الأكثر تأثيراً في المجتمع السوري، سواء من خلال وضعها الأسس القانونية لمؤسسات الدولة السورية سابقاً، ووصولاً إلى دعمها لمنظمات المجتمع المدني السورية سعياً لنشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضاف مارديني أنه وفقاً للبيانات الصحفية الصادرة عن قصر الإليزيه، من المتوقع أن يؤكد الرئيس ماكرون خلال بيانه المشترك مع الرئيس الشرع على أهمية ترسيخ قيم المواطنة والمساواة، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الإنسانية، وهي رسالة موجهة إلى جميع الأطراف، على خلفية الأحداث التي شهدتها سوريا مؤخراً، باعتبار ذلك شرطاً أساسياً لدعم العملية الانتقالية في سوريا، كما ورد في مؤتمر الثالث عشر من شباط الماضي المنعقد في باريس.

– مطالب فرنسية:

وكان قصر الإليزيه أصدر قبل الزيارة بيوم، المحاور التي سيعيد التأكيد عليها رئيس الجمهورية الفرنسية بالمؤتمر الصحفي مع الرئيس الشرع على حد وصف البيان، حيث يمكن لنا أن ننطلق من السياسي للقانوني في هذه الحالة.
وفي ظل التصريحات الفرنسية التي تربط المرحلة الانتقالية بوجود حكومة تمثل جميع مكونات المجتمع السوري، ومكافحة الإرهاب، وتأمين عودة اللاجئين، أوضح مارديني أن المنطلقات الفرنسية للتعامل مع الحالة السورية تم التأكيد عليها في مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية، وهي محاربة تنظيم داعش، ومعالجة مسألة المقاتلين الأجانب التي مافتئ الإعلام الفرنسي من إثارتها واستشراف خطرهم الإيديولوجي على القارة الأوروبية، ونوّه إلى أن مسألة إشراك جميع أطياف الشعب السوري، ودمج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن منظومة الجيش الوطني، لا تزال مطلباً فرنسياً ثابتاً لما تراه باريس بأنه سيكون لمصلحة المستقبل السوري.
وبيّن مارديني أن هذه الزيارة قد تشكل لحظة فاصلة لبدء مسار يبدو معقداً في الأمد القريب، خاصة مع استمرار الخلافات حول مسائل جوهرية، منها مصير المقاتلين الأجانب وعائلاتهم، فضلاً عن بعض المآخذ على السلطة الحالية بتعيينها مسؤولين ذات طابع إيديولوجي في مواقع القرار، قد لا يكون مبرراً لضرورات حساسية المرحلة لدى شريحة من السوريين، بمعنى أن معيار الإشراك بمنظومة القرار مازال غير واضح، وهو أمر لا يرضي باريس التي أعلنت التزامها ودعمها لمؤسسات المجتمع المدني، وتتبنى قيماً لا تروق للسلطات في دمشق على ما يبدو، معتبراً أن الحكومة السورية ممثلةً بدبلوماسيتها أمام تحد كبير لا تُحسد عليه في المحادثات التي ستجري تحت قبة الإليزيه.

– “حق التجنس”:

وحول ملف المقاتلين الأجانب، شدد مارديني على أن هذه القضية ستبقى الأكثر إشكالية بين الطرفين، إذ ترى الحكومة السورية الحالية في هؤلاء مقاتلين ضحوا إلى جانب الشعب السوري، بينما يعتبرهم الغرب عموما وفرنسا بشكل خاص تهديداً أمنياً واجتماعياً كبيراً على القارة الأوروبية، وأوضح أن هذا التحدي يضع القيم الغربية على المحك، فبينما تتعامل الحكومات الأوروبية مع الجهاديين في الخارج بالتحييد والتصفية، وتلتزم معهم في بلادهم بمواثيق حقوق الإنسان وفقاً للمادة السادسة للاتفاقية الأوروبية التي تضمن الحق في المحاكمة العادلة، ما يعكس ازدواجية في الموقف ويناقض مبناه الفكري الأساسي بأن قيم حقوق الإنسان مطلقة ولا تحتمل النسبية بتغير الزمان والمكان.
وأوضح مارديني أنه من حيث المبدأ، إن فكرة وجود مقاتلين أجانب ضمن الجيوش ليست جديدة، ففي فرنسا هناك ما يسمى “حق التجنس بالدم المسفوك Français par le sang versé حيث يحتوي الجيش الفرنسي على فصائل من المقاتلين الأجانب تسمى Légion étrangère يتم منحهم الجنسية الفرنسية مكافأةً على قتالهم في صفوف جيشها، وقد نشأ هذا القانون خلال الحرب العالمية الأولى ويستمد أصوله العرفية منذ عام ١٨٣١، مذكراً بأن نقابة محامي باريس قامت بإحياء ذكرى تكريم ثلاثة وعشرين مقاوماً من الأجانب على رأسهم الأرمني ميساك مانوشيان إثر انخراطهم في صفوف المقاومة الفرنسية ضد النازية عام 1944 حيث انتهت المحاكمة بإعدامهم بما يعرف بقضية Affiche rouge  ” الملصق الأحمر” حيث قامت السلطات الفرنسية مؤخراً بنقل رفاته وزوجته إلى مدفن العظماء في باريس Panthéon  بتاريخ ٢١ فبراير ٢٠٢٤ تكريماً لهم.
وتساءل مارديني: هل يصلح القياس على هذه الحالة في الشأن السوري؟ وهل يمكن أن يشكل هؤلاء المقاتلون نواة متجانسة مع مشروع الدولة السورية والتي يقع على عاتقها ضبط أي تجاوز تحت مظلة دولة القانون المنشودة؟ معرباً عن مخاوفه من احتمال ظهور مجموعات منشقة، تعيد البلاد إلى دوامة العنف.

– اقتراح بإنشاء وزارة:

أما بخصوص وضع حقوق الإنسان في سوريا، فاعتبر المحامي والأكاديمي مارديني أن من يتصدى لهذا الملف يجب أن يكون مرشداً للسلطة والمجتمع معاً، وليس محاباة أحدهما على حساب الآخر أو سعياً لابتناء نفسه في أروقة السلطة أو رجال النفوذ، ولذا أقول طالما نحن في حالة فراغ تشريعي لاستيعاب الضرورات التشريعية التي تفرضها المرحلة، فنحن أمام عجز عن تلبية الحد الأدنى من العدالة التي تضمن السلم الأهلي، وأبدى تخوفه من مظاهر خطيرة رآها مؤخراً، كتشكل مجموعات مسلحة لتعقّب وتصفية رموز النظام السابق خارج إطار القانون، وسط ترحيب شعبي كبير، مؤكداً أن هذا يُهدد السلم الأهلي ويقوّض مشروع بناء دولة القانون، فالمحاكمات العلنية ستكون ضرورة حتمية لاستيعاب غضب الشارع، بل إن حال سوريا اليوم أشبه بالعراق بُعيد سقوط نظام صدام حسين من حيث القتل الطائفي والانتقامات الفردية، داعياً إلى استدراك المرحلة الحالية بتفعيل آليات عدالة انتقالية فعّالة، واقترح في هذا السياق إنشاء وزارة لحقوق الإنسان تتمتع بصلاحيات تنفيذية حقيقية، كخطوة نوعية تساهم في إدارة المرحلة الانتقالية.
وقال مارديني: إن غياب الحياة السياسية عن سوريا قد سحق الجميع، الأمر الذي يؤكد أهمية إنشاء دولة المواطنة والقانون، التي تحمي الجميع على حد سواء، مع الحفاظ على الخصوصيات الدينية للأقليات كحرية العبادة والمعتقد، بحماية الدولة وعلى مسؤوليتها، وتأكيداً على ذلك لازال مقام السيدة زينب يزار وهو موضع حماية مسؤولة من الدولة السورية، على الرغم من إنه لا يحبذ مصطلح أقليات لأسباب تتعلق بفلسفة وتاريخ نشأة هذا المصطلح، والذي تناوله في أوقات سابقة في المحافل القانونية والسياسية التي دعي إليها، متوسعاً في جوانبه الفكرية والفلسفية، لافتاً إلى ضرورة إجراء الغرب لمراجعة فكرية عميقة لمرحلة ما بعد الحداثة، مؤكداً أن منهج النقد المزدوج هو الأنجع للخروج من حالات الاختناق الفكري التي تطرأ على الحضارات عندما تصاب بحالة “العُجب” في بعض مراحل حياتها.
وبالنسبة لمصلحة الغرب عموماً وفرنسا خصوصاً، قال مارديني: هي إرساء دول مُستقرة في عالمنا العربي تزيل موجبات وجود التطرّف وتؤّمن الاستقرار فيها ولو بالحد المعقول، بما يحميهم من موجات الهجرة واللجوء وصعود اليمين المتطرف في الغرب الذي يهدد قيمهم في مهدها، وإن كان ذلك يحمل شيئاً من الطوباوية لكن ثمن عدم تحقيق ذلك سيكون أبهظ وأشد نكالاً على الجميع.

آخر الأخبار
فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات أول عملية وشم واسعة النطاق للخيول الأصيلة في دير الزور إدلب: في أول جولة له بالمحافظة.. وزير الاقتصاد يطَّلع على الواقع الصناعي والتجاري مرتبطة بسمعة الطبيب السوري.. كيف يمكننا الاستثمار في السياحة العلاجية لا تكرار وسط مخاوف من التصعيد.. الاشتباكات تتواصل بين الهند وباكستان "المطبخ المركزي العالمي" يعلن نفاد مخزونه في غزة تفعيل أقسام مستشفى نوى الوطني ترامب يعتزم اعتماد بلاده لتسمية "الخليج العربي".. وإيران تحذر طرطوس.. حملة تبرع للدم لمرضى التلاسيميا حمص.. معينات سمعية لـ ٤٥ من الصم والبكم "السياحة" توقع مذكرة تفاهم مع شركات سعودية - قطرية