الثورة – رفاه الدروبي:
ضمن سلسلة عباقرة التلحين والغناء مَن ارتقوا بموسيقاهم وألحانهم الخالدة عبر عقود لتستمتع الأجيال بها، نظَّم المنتدى الاجتماعي بدمشق أمسية موسيقيَّة قدَّمها شقيق مطربة الجيل ميادة حناوي الباحث عثمان حناوي، وحاوره المهندس والموسيقي إيهاب المرادني امتدت لساعتين، تناول فيها المشوار الموسيقي للملحن محمد سلطان، والذي استمر أكثر من نصف قرن أنتج خلالها ما يقارب ١٧٠ لحناً، فكان من الموسيقيين الكبار، التاركين بصمة خالدة بين جيل العمالقة بألحان مُغنَّاة جميلة تداعب شغاف القلوب، كما ارتبطت مسيرة حياته ارتباطاً وثيقاً بالمطربة فايزة أحمد المعروفة بصوتها الدافئ.
بداياته استهلَّ الباحث حناوي حديثه عن حياة الموسيقار محمد سلطان وانتمائه لعائلة ارستقراطية اسكندرانية، فوالده كان ضابطاً في الشرطة ثم ارتقى إلى مرتبة حكم دار، بينما عشقت والدته الفن وشجَّعته على تعلُّم الموسيقا، وعندما أتقن العزف على العود اشترت له بيانو، إذ بدت موهبته في الموسيقا في سنٍّ مُبكِّرة منذ منتصف العقد الثاني من عمره، وصادف أن كان جاره في البناء الموسيقار محمد عبد الوهاب فطرق بابه وعرَّفه على موهبته، فوجده يتمتَّع بجرأة وموهبة عاليتين، ثم توطَّدت العلاقة بينهما فاعتبره الابن الروحي له.
قصد الشاب سلطان القاهرة، في العقد الثاني من عمره وانتسب إلى الكلية الحربية، لكنَّه تركها بسبب انجذابه للموسيقا والتمثيل، فاكتشفه نيازي مصطفى أو يوسف شاهين، وتهافت عليه المخرجون نظراً لوسامته وموهبته المتفتِّحة، فشارك بأفلام عدة كان أولها: “الناصر صلاح الدين، عيلة زيزي، فضيحة حب مع سعاد حسني وناديا لطفي”؛ لكنَّ الفتى لم تستهويه السينما أو تكون هدفه فاتجه للتلحين بتشجيعٍ من المطربة فايزة أحمد عندما التقت به في بيت فريد الأطرش ووجدت لديه نبوغاً في التلحين.
نبوغه في التلحين
ورأى الباحث حنّاوي أنَّ فايزة أحمد استطاعت توجيه اهتمام الموسيقار سلطان للتلحين كونها عملت مع كبار الملحّنين، أمثال: “محمد عبد الوهاب، محمد الموجي، بليغ حمدي”، وكانت أشدَّ عشقاً للغناء من غيرها، لذا أطلق عليها الموجي لقب مطربة العائلة، ثم قدَّمت سلطان وراهنت عليه وأبرزت ملحناً في الساحة الفنيّة فأنتج زواجها منه مجموعة من الألحان، كان أولها لحن أغنية “أؤمر يا قمر أمرك ماشي”، وبلغت ألحانه لها سبعين لحناً، تميَّزت بموسيقا هادئة تتصاعد بشكل تدريجي، طارقاً أبواب الألحان القصيرة والطويلة والموشح والموسيقا التصويريّة للأفلام، ما جعل المتلقي يرقص طرباً على أنغام اللحن في فيلم “الراقصة والسياسي” بطولة الفنانة نبيلة عبيد.
ويعتبر أول من استخدم المقامات الغربية وأدخل الصولو والآلات الغربية كالساكسافون والغيتار والأورغ في أعماله، واكتشف الكثير من المواهب الفنية أمثال: “عمر خورشيد، مجدي الحسيني، هاني شاكر، مُحرَّم فؤاد، محمد ثروت، مدحت صالح، ناديا مصطفى، سميرة سعيد”.
مع ميادة حناوي
كذلك أوضح الباحث عثمان أنَّ مطربة الجيل ميادة الحناوي أخذت لحنين فقط من محمد الموجي ورياض السنباطي، إلا أنَّ الموسيقار محمد سلطان كان من الملحنين المفضلين لديها، ولها مسيرة طويلة معه لأنَّه أحبَّ أداءها فلحَّن لها سبعة عشر لحناً، وارتبطت علاقتها مع سلطان وفايزة أحمد بعلاقة إنسانية مبنيَّة على الصداقة والود، ولم تبخل فايزة أحمد على مطربة سورية بأي مساعدة، بل حثّت سلطان ليقدِّم لها ألحانه فأعطاها ألحانا تتسم بفلسفة موسيقيَّة، إذ لحّن لفايزة أحمد الأغاني الطويلة الكلاسيكية، وأتمَّها مع ميادة الحناوي فشدت بألحانه الهادئة.. نسوق منها: “رجعنا للبداية، آخر زمن، أكتر من الحب أديلك إيه”، واصفاً الموسيقار سلطان بأنَّه كان إنساناً راقياً ملتزماً بفنه وبيته لم يشغل نفسه بصغائر الأمور، وكثيراً ما كان يلتقي بشخصيات ذات حضور مهم مثل: “مصطفى محمود، محمود ذو الفقار، أحمد رمزي، إيهاب نافع”.
أما عن العلاقة بين الملحنين، فرأى الباحث عثمان أنها استندت إلى تنافس شريف واحترام متبادل بينهم، إذ كان محمد سلطان يرى أن بليغ حمدي صاحب مدرسة فنية ووصفه بعبقري النغم، بينما قال بليغ عنه: “إنه إنسان راقٍ، دمث الأخلاق وصاحب مدرسة”، مستشهداً عندما كان محمد سلطان على فراش الموت كان بليغ حمدي في دمشق فاتصل به وطلب منه إتمام لحن أغنية “أشواق” لميادة حناوي فاستجاب لطلبه، ما يدلُّ على مدى الاحترام المتبادل بينهما.