من تصريح إلى أمل.. السوريون وحق الحياة المسروق

مهدي الناصر – كاتب وصحفي سوري

منذ أربعة عشر عاماً، انتهت حياة السوريين كما عرفوها، ما تبقى بعدها كان أشبه بحالة نجاة جماعية طويلة، بلا أمان، بلا استقرار، بلا وضوح. جيل كامل نشأ في المخيمات، وفي الشتات، وعلى صوت الانفجارات أو أخبار المجازر، ومع كل ذلك، ما زال السوري يفرح، ليس لأن الحياة باتت جيدة، بل لأن كل لحظة فرح تأتي كاستثناء نادر في سياق طويل من الألم.

منذ أيام قليلة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى السعودية أنه سيأمر برفع كامل العقوبات عن سوريا. التصريح الذي انتظره السوريون عدة أيام. انتشر بينهم بسرعة، وخلّف حالة فرح، عفوية وبريئة، تشبه تماماً الفرح الذي شعروا به عند سقوط النظام السوري البائد، في ديسمبر الماضي، نفس الروح، أناس عاديون، تعبوا، ويبحثون عن خبر واحد، يعيد لهم شيئاً من الشعور بأن العالم ما زال يتذكرهم.

قد يبدو الخبر عادياً لشعوب أخرى، وقد يبدو الفرح مبالغاً فيه لمن لم يعش سنوات الحصار والفقر والخذلان، لكن السوري لم يكن يوماً جزءاً من لعبة السياسة، لم يكن مسؤولاً عن العقوبات التي بدأت منذ عام 1976، ولا عن القرارات الدولية التي ضيّقت عليه حتى في لقمة الخبز والدواء، ومع ذلك، هو وحده من دفع الثمن.

طوال العقود الماضية، لم تؤثر العقوبات في النظام بقدر ما خنقت الشعب، من انقطاع الكهرباء، لصعوبة التحويلات، لفقدان الأدوية، لعجز المستشفيات، كلها كانت نتائج مباشرة أو غير مباشرة لعقوبات طبّقت بعشوائية، وغضّت الطرف عمّن يجب أن تُفرض عليه فعلياً.

رغم ذلك، بقي السوري، ببساطته وصدقه، يفرح، لا لأنه صدّق أن ترامب أو غيره جاؤوا من أجل مصلحته، بل لأن مجرد الاعتراف بوجوده، كإنسان لا كملف سياسي، صار شيئاً نادراً، الفرح السوري اليوم ليس احتفالاً بانتصار، بل هو تنفّس قصير في حياة يطول فيها الاختناق.

لا أحد يملك ترف الرفاهية في سوريا، ولا في المخيمات، ولا حتى في دول اللجوء، السوري لا ينتظر معجزة، ولا يطلب أكثر من أن يعيش كأي مواطن عادي على وجه الأرض؛ بلا خوف، بلا إذلال، بلا قوائم سوداء ولا طوابير.
لذلك، حين يسمع خبراً عن رفع عقوبات، أو انتهاء نظام، يشعر ولو للحظة أن حمل الجبال على صدره بدأ يخف، حتى إن لم يتغيّر شيء فعلياً.

وهنا، المفارقة المؤلمة: كيف وصل السوري إلى نقطة يفرح فيها لمجرد تصريح؟ كيف صارت أبسط الحقوق كأن يُعامل كبشر سبباً للرقص والدموع؟ هذا ليس ضعفاً، بل دليل على عمق ما تعرّض له، العالم صمّ أذنيه طويلاً عن صوت السوري، ثم تساءل: لماذا تصرخون كثيراً؟

السوري ليس بحاجة لمن ينقذه، بل لمن يتوقف عن معاقبته مرتين، مرة لأنه طالب بحقه، ومرة لأنه بقي حيّاً، السوري تعب من تحمّل نتائج كل شيء لا علاقة له به، من وحشية النظام، لصفقات الخارج، لعقوبات لا تميز بين جلاد وضحية.

اليوم، إن كان ثمة ما يجب أن يسمعه العالم، فهو أن هذا الشعب لا يبحث عن شفقة، بل عن عدالة مؤجلة منذ أكثر من خمسين عاماً، يبحث عن حياة، لا أكثر.

آخر الأخبار
روبيو يؤكد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب سوريا.. الشيباني: وضعنا بنية تحتية لبناء علاقات استراتيجية... ربط آبار بعد تأهيلها بالشبكة الرئيسية في حماة القمح المستورد أول المستفيدين.. عثمان لـ"الثورة": تراجع الطن 10دولارات بعد رفع العقوبات الخزانة الأميركية: بدأنا خطوات رفع العقوبات عن سوريا من تصريح إلى أمل.. السوريون وحق الحياة المسروق طلاب المدينة الجامعية بحلب يشكون ضيق الغرف ورئيس الجامعة: ندرس عدة خيارات القرار السياسي تأخير بترحيل القمامة من بعض شوارع دمشق... والمحافظة: نعمل بكامل الإمكانيات المتاحة وزير الأشغال العامة: رفع العقوبات يسهم في استقطاب استثمارات عربية ودولية الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة.. والاحتلال يضاعف مجازره في غزة عضات الكلاب تتزايد في درعا.. والطعوم  غائبة مشاركون في  مؤتمر العدالة الانتقالية لـ"الثورة": حاجة ملحة للسلم الأهلي وتحتاج للوقت والتشاركية "صحافيون من أجل حقوق الإنسان " في مؤسسة الوحدة استجرار الكهرباء غير المشروع تدفع ثمنه " مياه " درعا وفود سياحية أوروبية تزور آثار بصرى الشام Relief Web : "هيومن رايتس ووتش": رفع العقوبات سيعزز الحقوق والتعافي في سوريا مدير زراعة اللاذقية: القطاع الزراعي سيشهد انتعاشاً ونهضة حقيقية مكافحة 180 هكتاراً من حشرة السونة مجاناً  بالقنيطرة  أطباء بلا حدود يطَّلعون على احتياجات مستشفى بصرى الشام لماذا الانخفاض السريع بسعر صرف الدولار..؟