الثورة – علا محمد:
“ابدأ صغيراً، لكن فكر بشكلٍ كبير، لا تنتظر الظروف المثالية، بل اصنعها من حولك، كن مرناً واستفد من الفشل كأداةٍ للتعلم، حافظ على ارتباطك بالمجتمع لتكون جزءاً من الحل، لا من المشكلة”، نصيحةٌ يوجهها رئيس مؤسسة “إدارة الموارد البشرية” الدكتور منير عباس للشباب السوري، عبر “صحيفة الثورة”، مشيراً إلى أن سوريا تمر الآن في ظروف استثنائية، وسط تغيراتٍ متسارعة، تظهر فيها بوادر مرحلة جديدة يمكن أن تشكل منعطفاً إيجابياً في حياة السوريين وخاصة جيل الشباب، ومع رفع العقوبات الدولية نطرح تساؤلات حول الكيفية التي سينعكس بها هذا التحول على سوق العمل والفرص المتاحة أمام الشباب السوري الطامح.
الأستاذ الجامعي في إدارة الأعمال في الجامعة السورية الخاصة- والخبير في بناء القدرات والتطور التنظيمي منير عباس قدم لنا رؤية متكاملة حول الأثر المتوقع لرفع العقوبات.
تراخيص لـ 456شركة
برأيه، إن رفع العقوبات سيشكّل تحولاً جذرياً في ديناميكيات الاقتصاد السوري، سيُفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الخارجية وعودة رؤوس الأموال المحلية، ما يعني خلق فرص عمل جديدة وتحفيز بيئة ريادية أكثر مرونة.
ويضيف: إن هذا التغير سيساعد الشباب على دخول عالم الأعمال بثقة أكبر، سواء كرواد أعمال أو ككفاءات مهنية في مؤسسات تبحث عن التطوير والنمو، كما سيقلص من التعقيدات الإدارية والإجرائية التي كانت تعيق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويجعل بيئة العمل أكثر شفافية وتطوراً.
وأشار الدكتور عباس إلى مؤشرات حقيقية تعزز هذا التفاؤل، منها تقرير وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الذي ذكر أنه تم منح تراخيص لـ456 شركة جديدة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، ما يدل على تحرك فعلي في عجلة الاقتصاد وبدء تشكل بيئة محفزة للاستثمار.
فتح الأبواب
من أهم الانعكاسات الإيجابية لرفع العقوبات وفقاً لرؤية عباس، سيكون الانفتاح على التكنولوجيا والإنترنت بشكل كامل، من دون الحاجة لاستخدام برامج كاسر البروكسي أو الـVPN، هذا بدوره سيمنح الشباب إمكانية الوصول إلى مصادر المعرفة والدورات التدريبية عبر الإنترنت، سواء كانت مجانية أو مدفوعة، والتي كانت محظورة عليهم لفترة طويلة.
وفي الإطار ذاته يرى الخبير أن الفرص المستقبلية للشباب السوري ستتركز في عدة قطاعات واعدة، مثل: التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، السياحة، الزراعة الحديثة.
وهذه مجالات تستوعب الإبداع والابتكار، ويمكن من خلالها إطلاق مشاريع ريادية تواكب التغيرات.
ولتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرص، ينصح الدكتور عباس الشباب بضرورة المتابعة المستمرة للتطورات، واكتساب المهارات المتخصصة، والانخراط في شبكات دعم ريادية، والتركيز على التدريب الذاتي.
ويقول: “التدرب ثم التدرب ثم التدرب فهو مفتاح النجاح، خاصةً في ظل فجوةٍ معرفية امتدت لأكثر من 14 عاماً من الحرب، أبعدت سوريا عن تطورات العالم من حولها”.
من الفكرة إلى الواقع
فيما يتعلق بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، يشدد عباس على أهمية دراسة السوق المحلية بدقة، والاستفادة من الموارد المتاحة، وتفعيل الشراكات المجتمعية، كما يشجع الشباب على استخدام الأدوات الرقمية الحديثة كالذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الروبوتات، وأدوات التسويق الرقمي، والتحليل الرقمي.
ويؤكد أن ترخيص المشاريع أصبح اليوم أسهل بكثير من ذي قبل، والبيئة الاستثمارية باتت محاطة بالتشجيع الحكومي والتسهيلات، نتيجة انفتاح السوق ورفع القيود التقنية واللوجستية التي كانت تعيق التوسع والابتكار.
لذلك ينصح الخبير عباس الشباب لتحقيق التعافي الاقتصادي والتموضع في سوق العمل باتخاذ خطواتٍ أساسية أولها إعادة تقييم المهارات الشخصية والمهنية، ثم البحث عن فرص تدريب متخصصة، حيث ينقصهم الكثير من المهارات التي سبقهم بها أقرانهم في الدول المجاورة والعالم، يلي ذلك تبني روح المبادرة والمرونة في العمل، وبناء شبكة علاقات قوية تتيح تبادل المعرفة والدعم.
ويرى الأستاذ الجامعي أن إتقان أدوات العصر الحالي مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل الرقمية والتسويق على السوشيال ميديا أصبحت من مستلزمات الدخول إلى سوق العمل، ويختم هذه النقطة برسالة موجهة للشباب: “تحلوا بالصبر، النجاح لا يأتي دفعة واحدة، كلما تعبنا على أنفسنا في بناء قاعدة العمل، كان المسار المهني أكثر صلابة وقوة”.
الشباب قوة تغيير
يرى الخبير أن الشباب السوري يمكن أن يكون في طليعة من يعيد بناء اقتصاد بلاده، ليس فقط من خلال العمل كقوة عاملة، بل من خلال تطوير مهاراتهم الخاصة التي أثبتت جدارتها رغم سنوات الأزمة.
ويشير إلى أن هناك فرصة حقيقية بأن تتحول سوريا إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا، مثل فرع من أفرع “وادي السيليكون” الأمريكي، بفضل الإمكانيات البشرية الكبيرة، خاصة في مجال البرمجيات، والتسويق الإلكتروني، والخدمات الرقمية عن بُعد، ويؤكد أن هناك بالفعل العديد من الشركات الأجنبية التي تعتمد على مبرمجين ومسوقين سوريين داخل سوريا.
كما يوضح عباس أن المشاريع المجتمعية، والمبادرات الريادية، والصناعات التحويلية الصغيرة والمتوسطة، والزراعة الذكية المستدامة، كلها مجالات متاحة للشباب للإبداع والمساهمة الفعالة، ولأن تنمية المهارات حجر الأساس في المرحلة القادمة يضع عباس خارطة طريق واضحة لتطوير قدرات الشباب، تبدأ بالالتحاق بالدورات التدريبية الرقمية المتاحة عبر الإنترنت، والانضمام إلى حاضنات الأعمال، والانخراط في الأعمال التطوعية لاكتساب المهارات القيادية والجماعية.
ومن خلال تجربته الطويلة في تدريب الشباب السوري، يحدد مجموعة من المهارات الأساسية التي يفتقر إليها معظمهم كاللغة الإنكليزية واللغات الأجنبية، ومهارات التواصل، والتسويق الذاتي، وكيفية حلّ المشكلات واتخاذ القرار، بالإضافة إلى مهارات التفاوض وإدارة الوقت، وفهم القوائم المحاسبية وإعداد الحسابات.. ويؤكد أن هذه المهارات ضرورية للنجاح في سوق العمل الحديث، ويجب على الشباب العمل على تنميتها فوراً.
استراتيجيات وتدريبات للتمكين الاقتصادي
وحول ما إذا كان هناك استراتيجيات تساعد الشباب على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية، يشدد الخبير على أهمية اعتماد تدريبات ريادة الأعمال، الإدارة المالية الشخصية، التسويق الرقمي وبناء العلامة التجارية الشخصية، بالإضافة لاعتماد نموذج العمل المرن (Lean Startup) وتبني استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة.
هذه الاستراتيجيات تعتمدها مؤسسة إدارة الموارد البشرية- بحسب عباس- الذي بيّن أنه من خلال مسيرة طويلة دامت 18 عاماً، لعبت مؤسسة إدارة الموارد البشرية دوراً محورياً في دعم الشباب السوري، ركزت على تغيير العقلية قبل تغيير الواقع، ومنحت المهارات التقنية والنفسية، وشجعت التحفيز الذاتي ومهارات القيادة والتفكير الإبداعي.
وتفخر المؤسسة بكونها حاضنة لمئات المشاريع التي انطلقت من تدريباتها، ومئات من المدراء الذين يتبوؤن اليوم مناصب عليا في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى أن التطوع فيها كان ولا يزال مدرسة لصناعة القيادات.
إن ما تشهده سوريا اليوم هو بداية لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات، ولكن أيضاً مليئة بالفرص، والشباب هم قلب هذا التغيير وروحه إذا تم منحهم الأدوات الصحيحة، والدعم المناسب، يمكنهم أن يكونوا حجر الأساس في إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع، وتحويل سوريا إلى قصة نجاح إقليمية وعالمية في ريادة الأعمال والابتكار.
ولا يمكن إغفال دعم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للشباب السوري في المرحلة الجديدة، فقد عملت على إعادة تفعيل منصة “سوق العمل”- بحسب المكتب الإعلامي للوزارة- الذي أوضح لصحيفة الثورة دور هذه المنصة الوطنية في ربط أصحاب العمل والباحثين عن فرص حقيقية لتسهيل الوصول إلى الوظائف في مختلف القطاعات، حيث إن المنصة تتيح للشركات والمؤسسات نشر الوظائف والإعلانات، ما يسهل على طرفي العلاقة التواصل والتوظيف بشكل سريع وفعال وأكثر شفافية.
قاعدة بيانات
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن المنصة تمثل أداة حكومية مصممة لدعم التمكين الاقتصادي، وتعزيز الوصول إلى سوق العمل عبر أدوات رقمية ميسرة وسهلة الاستخدام من خلال توفيرها قاعدة بيانات موحدة تشمل كل اتجاهات سوق العمل، كما تحيط بالعوامل التي تؤثر على عرض وطلب الوظائف.
ونوه بأن المنصة تدعم برامج التدريب والتطوير المهني من خلال توفيرها معلومات عن الورش والبرامج التدريبية التي تساعد الأفراد على تطوير مهاراتهم وزيادة فرص توظيفهم.
ختاماً، الشباب السوري ليس فقط قوة التغيير، بل أمل الغد، وما هذه المرحلة إلا بداية لفرص غير محدودة تنتظر من يخطو بثقة نحوها.