أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
في 25 أيار من عام 2012 نفّذت قوات الأسد البائد، عمليات قصف عنيفة استمرت قرابة 14 ساعة، طالت قرى ناحية الحولة بريف حمص، تلا ذلك اقتحام عناصر الشبيحة والأمن لمنازل المدنيين على أطراف قرية تلدو التابعة لناحية الحولة، لترتكب أحد أبشع المجازر في العصر الحديث، قُتل فيها أكثر من 104 مدنياً بينهم 49 طفلاً و 30 سيدة، قضوا ذبحاً بحراب البنادق ورمياً بالرصاص.
ففي مساء دامٍ، ارتكبت قوات نظام الأسد وميليشياته الطائفية واحدة من أبشع المجازر الجماعية التي عرفها التاريخ الحديث، في جريمة موثقة، حدثت على مرأى ومسمع من العالم، وبوجود بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، لم تلتئم جراحها حتى اليوم بعد مرور 13 عاماً على مذبحة مروعة لا تمحوها السنين من الذاكرة.
بدأت المجزرة بقصف مدفعي وصاروخي عنيف استهدف بلدات الحولة، وخاصة مدينة تلدو، التي تُعدّ بوابة المنطقة الغربية وتُحاذي قرى موالية للنظام مثل قرمص وعين التينة، وقد دام القصف لساعات قبل أن تُطلق يد الموت بشكل مباشر، إذ اقتحمت مجموعات من “الشبيحة” وعناصر الأمن القرى المنكوبة، وبدأت حملة إعدامات ميدانية بالسكاكين والأسلحة الفردية.
وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، مقتل 104 مدنياً، بينهم 49 طفلاً و30 سيدة، قالت إنهم قضوا ذبحاً بحراب البنادق ورمياً بالرصاص خلال ساعات، أغلبيتهم قُتلوا ذبحاً وطعناً في منازلهم.
وقد ظهرت على أجساد الضحايا آثار تعذيب وحرق وطعن بآلات حادة، ما دلّ على طبيعة المجزرة الوحشية، ولم يكن القصف هو القاتل الوحيد، بل جاءت المجزرة نتيجة اقتحام متعمّد أُريد به الانتقام وإرهاب الأهالي في معقل ثائر.
وطيلة سنوات مضت، روى الناجون تفاصيل مرعبة لما جرى، إذ دخلت قوات موالية للنظام البائد مدعومة بالشبيحة إلى منازل المدنيين، فقتلت العائلات بالسكاكين، دون تمييز بين رضيع وشيخ، حيث اختبأ الأطفال تحت الأسرة، لكنّ الجناة لاحقوهم وأجهزوا عليهم، عشرات الجثث تمّ تجميعها لاحقاً في مسجد البلدة، في مشهد أبكى حتى المراقبين الأمميين.
وكانت أثار مشهد المجزرة صدمة عالمية، فقد سارعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة، ووصفت المذبحة بأنها “جريمة ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية”، فيما حمّلت بعثة المراقبين الدوليين قوات الأسد مسؤولية ارتكابها، كما عبّر الأمين العام آنذاك “بان كي مون” عن “صدمته المروعة”، دون أن يصدر أيّ إجراء رادع بحق الجناة.
لم تكن مذبحة “الحولة” حدثاً عارضاً، بل كانت تلك المجزرة مقصودة، وقعت في منطقة محاصرة ومحاطة بعدد من القرى الموالية للنظام، وكانت تُعد من أبرز المناطق الثائرة في ريف حمص، وشهدت مظاهرات سلمية واسعة، واختيارها كمسرح لجريمة بهذا الحجم كان يهدف لتوجيه رسالة دموية إلى باقي المناطق المنتفضة، ورسالة تحدٍّ واضحة للبعثة الدولية الموجودة حينها.
ورغم مرور أكثر من عقد على المجزرة، لا تزال صور الضحايا عالقة في الذاكرة السورية، كمثال صارخ على الإجرام الممنهج الذي مارسه النظام البائد بحق شعبه، ولايزال أهالي الحولة يتطلعون لتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، وكانت هناك خطوات ملموسة مؤخراً لقوى الأمن باعتقال عدد من المتورطين بالمجزرة، والبدء بإجراءات محاسبتهم وفق الأصول القانونية.
مجزرة الحولة لم تكن مجرد محطة دموية في تاريخ الثورة السورية، بل لحظة كاشفة لفظاعة الجرائم التي اُرتكبت في ظل غياب المحاسبة، وتواطؤ الصمت الدولي، ومع بداية مرحلة العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة، يعلو صوت أهالي الحولة مطالبين بالقصاص، ورافعين صور أبنائهم المذبوحين ليكونوا شاهداً لا يُمحى على عهدٍ أسود يجب ألّا يتكرر.