الثورة – رفاه الدروبي:
نظَّمت منصّة “ذاكرة إبداعيّة للثورة السورية” جلسة حواريّة حول “الفن والثقافة شأن عام” برعاية وزارة الثقافة والمديريّة العامة للآثار والمتاحف، شارك فيها الباحث في التاريخ والفن والعمارة الدكتورعبد الرزاق معاذ، ومدير ذاكرة إبداعية للثورة السورية سنا يازجي، وأدار الجلسة الصحفية والناشطة المدنية لارا عيزوقي، بعد معرض “معتقلون ومغيَّبون..
الفن يوثق الثورة السورية منذ بدايتها وحتى سقوط المخلوع”، احتضنتها حديقة المتحف الوطني بدمشق.
تراث سلبي
الدكتور عبد الرزاق معاذ لفت إلى أنَّ معرض “معتقلون ومغيبون” يعتبر إنجازاً تاريخياً يجمع أشياء كثيرة في المتحف الوطني، وبالبحث عن الكلمات المفتاحية نجد أنفسنا أمام عدد كبيرمنها، أهمها وجود تراث لامادي، مستشهداً بأحد الكتَّاب الألمان مَن كتبوا عن ما يُسمَّى بتراث سلبي طرحوه الألمان إثر خضعوهم لتجربتهم مع النازية، كذلك كتب الأديب عن سجن تدمر، وظهرت لديه مصطلحات عن تراث سلبي أو محكي أو كلمات مفتاحية لعمل الذاكرة الإبداعية خضع إلى جهد كبير لتجميع عدد من الأعمال في عمل توثيقي للذاكرة تتناول فترة محددة خشية محي آثارها منها باعتباره يوثق ويمهد للعدالة الانتقالية، ولاسيما وأنَّها كلمة متداولة جداً، ومطلب ملح، لا بدَّ من توثيقه بالذاكرة لمن عانوا وعاشوا تجربة السجن، فكان ذلك نتيجة جهد كبير جمع في معرض وكتاب، واعتبره تراثاً لا مادياً لأنه يتناول كل الثقافات تكون اللغة الآرامية شقاً منه، إذ مُنع لأنَّه يتناقض مع إيديولوجية حزب البعث وشعاره أمة عربية واحدة.
كما أوضح الدكتورمعاذ أنَّ طرح موضوع الهامش واسع، وهناك كثير من الناس تلعب عليه، إذ حاول المخرجون تقديم سينما وفن لكنَّ تحديات كثيرة واجهتهم نتيجة منع أفلام “الليل” للمخرج محمد ملص، وأسامة محمد، بينما حاول المخرج عمر أميرلاي، إقناع وزارة الثقافة بتبنِّي فيلمه “الطوفان” عن منطقة الفرات بينما كانت الأجهزة الأمنية تتابع الموافقة من عدمها، وما تجربة أنطون مقدسي في التأليف والترجمة والنشر إلا مثال عن معاناة واجهها أثناء تحقيق رغبته بطباعة ونشر أربعة عشر مخطوطاً، إلا أنه لم يحظَ على الموافقة من الجهات المعنية صاحبة الصلاحية.
ذاكرة إبداعية
وبيَّنت سنا يازحي ضرورة تناول الذاكرة الإبداعية في قلب دمشق، وإعادة الاعتبار للفن والثقافة والمثقفين كافة، ولابدَّ من العودة بالذاكرة للخلف لفهم لماذا وصلت الثقافة إلى مرحلة التردِّي، وما دورها بعد أن شكَّلت الثورة السورية انفجاراً شمل كلّ مساحة جغرافيتها، بينما اختلف الزمن والأدوات لعوامل متعددة، لكن الفن المقاوم لعب دوراً مهماً أيام الثورة، إذ مُنعت أفلام المخرج أسامة محمد، وفتحت المجال عن ما كان ممنوعاً، ويمكن للجميع سواء أكان إنساناً أو مجموعةً، التعبير عن أنفسهم ومجتمعهم باعتبار ذلك مهماً وأساسياً، وتعود أسباب المنع إلى أنَّها تهدد السلطة المستبدة والسلطان حتى لا يصل تأثيرها لعموم الناس، فيما نجد في المرحلة الحالية أن يأخذ الفن إتمام دوره بعد فتح المجال بشكل أكبر وأوسع له، وألقت المسؤولية بشكل كامل على النظام البائد في تسطح الحالة الفكرية لدى السواد الأعظم من المجتمع المحلي السوري، إذ امتد تأثيره على الفنانين، وبدا بحذف الساعات المخصصة للموسيقا والفن في المناهج المدرسية.
فن نخبوي
كما يتابع المخرج أسامة محمد قائلاً: إنَّ المخرج عمرأميرلاي قدَّم فيلم “الطوفان” للرقابة في المؤسسة العامة للسينما، بوقت كان لابدَّ من الاحتفاء بعودته كمخرج كبير؛ لكن قوبل بالرفض باعتباره يتناول منطقة الفرات الغنية بالحضارة والإنسان، متسائلاً عن كيفية الحكم على فن بأنَّه نخبوي أو غير ذلك عندما يكون في دمشق ثلاث صالات وسكان العاصمة عددهم ٦ ملايين نسمة رغم ذلك السينما لا تُشاهد، لافتاً إلى أن اللغة الفنية ليست ترفاً عندما تكون عالية يمكن أن تُقدِّم رموزاً وإشاراتٍ لا يمكن أن نقولها، فالأميون لا يعني أنَّهم لا يفهمون الأفلام لعدم حصولهم على شهادة، لأن السينما والفن كلاهما لغة مليئة بالأحاسيس، ونفس الشيء ينطبق على الأطفال أيضاً، ولا يمكن الجزم بعدم معرفتهم الأحداث الدائرة حولهم لكنَّهم يعرفونها بطريقة موجعة، وإنَّ أغلب صالات السينما في سورية دمرها حزب البعث والمرحلة الأسدية عندما تمَّ احتكار الاستيراد والتصدير للأفلام، والحكم على النخبوية منها يكون بتقديم ٥٠ فيلماً وليس بعرض فيلم واحد.
استبداد الحضارة السورية
من جهته رئيس جمعية سوريون من أجل التراث العمراني المهندس خالد محمد الفحام لفت إلى أنَّ التراث الثقافي يبني الذاكرة، إذ اعتُقلت المدن التاريخية السورية في عهد النظام البائد وليس الإنسان وحده..
ومنذ ستينيات القرن الماضي بدأت تتجرَّد من مقوماتها وقيمتها الثقافية الطبيعية؛ ونهر بردى وصل إلى حدّ الاستنزاف والعطش بعد أن كان ينتشرعلى نطاق واسع كي يروي بفروعه أراضي زراعيّة عرفت بالتاريخ الآرامي ومع الشريط الإيكولوجي المتكامل لآلاف السنين ارتبط بالمغيبين والمعتقلين نتيجة اعتقال التراث السوري بكامله من ماري إلى أو غاريت وإيبلا لمصلحة التضييق الاستبدادي.